تقاسموا الموت.. كما تقاسموا الحياة المشتركة.. وحب الوطن. إنهم أكثر من12 شهيدا من المسلمين والمسيحيين بمنطقة إمبابة ممن قدموا حياتهم قربانا لوأد نار الفتنة, والاستمساك بروح الوئام التي ظللتهم لمئات السنين.
رصاصات المجرمين لم تفرق بينهم, فمن عريس كان ينتظر زفافه بعد أسابيع.. إلي شاب كان ينتظر سفره إلي ايطاليا في بعثة.. إلي ثالث هو وحيد والديه.. إلي رابع لم يمهله القدر ليبدأ حياة كلها تفاؤل وأمل بعد انتهائه من تعليمه, أو أدائه الخدمة العسكرية.. وهلم جرا.
إنهم شباب في عمر الورود العشرينيات من العمر لا ينتمون لأي تنظيمات سياسية أو دينية, لكنهم ماتوا دون أن يرتكبوا اي ذنب, وجاء مقتلهم في محيط كنيسة مار مينا مساء السبت الماضي, ليعيد اللحمة إلي أبناء الوطن الواحد.
أما أهاليهم فينتظرون تقديم قاتليهم إلي محاكمة سريعة, حتي تشفي قلوبهم, وتبرد نارهم, ويكون الجناة عبرة لكل من تسول له نفسه اللعب علي أوتار تمزيق النسيج الوطني, أو تهديد روح الأسرة الواحدة.
محمود عبد العزيز رفعت أحمد.. شاب يبلغ من العمر21 سنة, يعمل في مركز صيانة للسيارات.. كان ينتظر زفافه بعد12 أسبوعا, وتحديدا في شهر أغسطس المقبل.. خلف وراءه أحزانا أخري خاصة أن والده توفي قبل ثلاثة شهور فقط.
يروي أحمد رأفت: كنت علي مقربة منه, وفجأة بدأ إطلاق الرصاص من العمارات العالية المحيطة بالكنيسة, وفوجئت بسقوط محمود جثة هامدة. أصابته رصاصة إصابة مميتة في جانبه.. حسب تقرير الطب الشرعي.
قلبي اتخطف. تقول والدته. فقد أخذت أضرب رقم هاتف محمود دون جدوي. كان أحمد وقتها قد حمل صديقه علي عربة توك توك, وتوجه به إلي مستشفي التحرير المركزي بإمبابة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. اتصل أحمد بمعوض صديقهما المسيحي, فسارع بالوصول إليه بالمستشفي.. اتصل بأخته التي اتصلت بأم محمود: قالت لها: محمود مصاب في المستشفي.
محمود كان أول ضحية للأحداث فهو أول شخص تعرض لإطلاق الرصاص, وأول من دخل المستشفي, وآخر من خرج من المشرحة.. نظرا لوجود خطأ في اسمه.
تقول أخته سحر: كنا علي موعد مع خطيبته وأسرتها مساء اليوم نفسه السبت لكي يروا الأنتريه الذي كان قد تم إحضاره قبلها بيوم واحد.
أجرت له والدته منذ وقت قصير شقة بأربعمائة جنيه في الشهر, لمدة خمس سنوات, وكانت بدأت في تجهيزها له.
خطيبته زينب تقول: كنا نستعد للزواج في شهر أغسطس المقبل.. والآن بدلا من ارتداء الثوب الأبيض, ودخول عش الزوجية.. انتقل محمود إلي الدار الآخرة, وأصبحت ثكلي قبل أن أتزوج.
تقول أمه: أضاعوا علي الفرحة بزواجه.. أن أراه عريسا..ابني مات بالنار, ولابد من قتل قاتله بالنار أيضا.
أما والدته فتقول: اللي يبرد ناري أن نعيش بأمان, ويتحقق العدل والحرية.أما معوض صديقه المسيحي فيطالب بإعدام من قتل محمود, حتي لو كان مسيحيا.
كفاية دم!
رامي رضيان ملاك بشاي شاب عمره52 سنة, ويعمل سائقا علي سيارة لجمع الخردة مع صديقه المسلم أحمد. يقول والده: طول عمري عايش مع جيراني المسلمين زي الفل, وما فيش حاجة اسمها مسلم ومسيحي(33سنة) في الشارع رمضان إبراهيم, ولم تحدث أي مشكلة.
إبراهيم سمير سعد الله إبن عم رامي يروي ما حدث فيقول: كنا قاعدين في المحل ومرت علي سيدة مسيحية وقالت لي إن هناك من يتجمعون عند الكنيسة, خرجت مسرعا لاستطلاع الأمر.. رامي كان بداخل الكنيسة في الدور السابع من عمارتها, وكان يرمي حجارة علي المتجمعين خارجها. تعرض لطلقة مفاجئة أصابته في دماغه, فتوجهنا به إلي المستشفي المركزي حيث كان ميتا, ومنه توجهنا إلي مشرحة زينهم.
روماني شقيق رامي يؤكد أن وراء هذه الأحداث مسجلين خطر هدفهم نهب المحلات, وحرق البيوت. ويقول: نريد أن نعيش زي ما كنا عايشيين.. نريد العيش في أمان. حتي لو هنغمس العيش بملح.
يوأنة منير إبنة أخت رامي, وهي طفلة في الصف السادس الابتدائي, تبكي وتقول: أنا فرحانة بموته وزعلانة لفراقه.. فرحانة بموته شهيدا علي اسم المسيح, وحزينة علي فراقه, فقد كان حنينا, وقريبا مني.
ويروي صاحبه وليد منير حسن أن رامي كان أول من شارك المسلمين في إنقاذ محل فطائر الشيخ أحمد من الحرق عندما سارع بغلق أنبوبةالمحل. ويضيف: كان طيبا, وليس له إلا في الخير. أما صديقه رامي ملاك فيقول بانفعال: كفاية دم لحد كده.
العوض عليك يا رب
باسم محمد كامل.. شاب يقول أصدقاؤه إنه خفيف الدم.. عمره(19) سنة.. ولا يمر يوم دون أن يسلم علي نصف السكان شارعه( عزيز راغب من شارع الأقصر) يعمل بمحل أبيه بشارع كمال حمزة.. تردد بين البيت والمحل مساء يوم السبت أكثر من مرة كما يقول أبوه المتقاعد بالقوات المسلحة.
يروي لـتحقيقات الأهرام ما حدث فيقول: وقف باسم يتفرج علي ما يحدث من زحام عند الكنيسة لكنه فوجئ برصاصة تصيب صديقه محمد حسنين فسارع إليه لكن رصاصة غادرة أصابته في دماغه الذي تفتت.
باسم.. ميت في مستشفي الموظفين. جاءه البلاغ من أحد أصدقائه علي رقم هاتفه بعد أن نقله زملاؤه إلي المستشفي. لم أتمالك نفسي- يقول والده متابعا- اصطحبني جاري المسيحي عاطف إلي المستشفي.. هناك وجدنا باسم جثة هامدة. صبرنا واحتسبنا, ودفناه بمقابر باب النصر.
كل الذين في العزاء مسيحيون. يقول والده, مضيفا: تزوجت أخته وأخوه, وكنت أستعد لتزويجه في شقتنا أنا ووالدته, كما كنت أستعد لشراء توك توك ليعمل عليه.
طوب الأرض كان يحبه.. تقول والدته. وتضيف: ليست لنا ضغينة مع أحد لكن هناك أناس من مصلحتهم أن لا يكون هناك أمان.
أخته نسمة محمد تقول: لم يبت باسم عندي في المنزل منذ تزوجت قبل قرابة ثلاثة شهور.. لكنه بات عندي ليلة الأحداث, وأصلح لي الدش, وعندما تلقيت خبر وفاته أصابني الذهول. كان طيبا حنينا متسامحا.. لايحب الظلم.
العوض عليك يا رب تختتم والدته.
الخشوع المتواصل
أبانوب كرم عبد السيد(19 سنة). تخرج لتوه في معهد السليزيان دون بوسكوالإيطالي بروض الفرج. كان راجعا من المعهد- فيما يرويه أخوه مايكل الذي يعمل في الرخام- ويضيف: لدي عودته رأي تجمعا حول الكنيسة, فاتصل بوالدته يطلب منها عدم الخروج لأن هناك قلقا بالمنطقة.
تتابع الوالدة: سألني عن مايكل فقلت له إنه في الخارج, فقال إنه سيتصل عليه, ويأتي معه.. لكنه لم يأت.
لقد تعرض مايكل لإطلاق النار عليه خارج أبواب الكنيسة. يقول شقيقه.. فحملناه إلي داخلها لكنه كان ميتا فوضعناه علي توك توك سريعا إلي مستشفي الموظفين, ومنه إلي مشرحة زينهم.
أبانوب كان يصلي دائما. ويذهب للكنيسة بانتظام, ويتسم بالخشوع المتواصل. يقول صبحي بارح زوج خالة أبانوب.
أما ابن عمته عادل شحاتة فيقول: كل ما نطالب به هو العيش في مساواة وعدل ومحبة.
تبكي والدته: خسارة أبانوب لا تقدر بثمن.. وردة واتخطفت وعزاؤنا أنه في السماء.. والده متوفي قبل أقل من عام..كنت منتظرة أن أفرح به.
وتتابع: ما فيش غيرهم.. بعد وفاة أبيهم.. عريس واتخطف كان يصلي ويذهب للكنيسة ولا يطلع الكذبة.. ربنا ما يجرحش قلب أم في ضناها, ولا تشوف النار اللي أنا فيها.. يوم السبت كنا متفقين أنه سيذهب مع أخته مريم وخطيبها لشراء شبكتها.. كنت قد جهزت الطعام.. الطعام ما زال موجودا.
ما حدث مخطط خارجي. يقول عادل شحاتة.
وجدنا بصفحته علي الفيس بوك عبارة كتبها قبل وفاته بساعات تقول: يا رب..أنا باحبك.. ساعدني. الكلام للدكتورة نشوي ابنة عمه.
عصاي التي أتوكأ عليها
محمد أسامة رمضان عباس.. شاب هو وحيد والديه.. أبوه مبيض محارة, ووالدته ربة منزل..أناس بسطاء يعيشون في شارع محمد السوهاجي المتفرع من شارع الأقصر.. علي بعد خطوات من كنيسة مار مينا. عمره(12 سنة). له أختان: مروة وسمر.
يقول والده: محمد كان عصاي التي أتوكأ عليها, وذراعي اليمني في الحياة. كان يعمل معي مبيض محارة. ويوم الأحداث توجهت مع جار لي مريض كي يتلقي العلاج بمستشفي قصر العيني, ولدي عودتنا قابلت محمد بالشارع, وهو عائد لتوه من العمل, قلت له: هيا للغذاء. قال: سأقف شوية.. كانت هناك دربكة بالشارع.. وقف ليتفرج. بعد قليل حدث إطلاق نار.. فوجئت بزملائه يحملونه إلي المنزل, وقد أصيب برصاصة في قلبه, بعد أذان المغرب..كانت الرصاصات آتية من ناحية عمارتي زكا, وعادل لبيبب. قمنا بإدخاله مستشفي التحرير المركزي بإمبابة, ثم تم تحويله إلي مشرحة زينهم, وبعد انتهاء الإجراءات صلينا عليه في مسجد السيدة نفيسة.
ما كنا لنسمح بأي عدوان علي الكنيسة تحت أي بند. يقول الجار صابر قطب, مشيرا إلي أن شباب المنطقة كان شكل لجانا شعبية لحماية الكنائس والبيوت بالمنطقة خلال أيام الثورة.. فيما يقول رجب عبدالرحمن: لو أن نية الناس الذين تجمعوا في بداية الأحداث سيئة, فلماذا لم تصب كنيسة مار مينا بخدش فيها في الوقت الذي فوجئنا فيه بحرق كنيسة العذراء بشارع الوحدة, وهي بعيدة عن الأحداث؟
مسيحيو المنطقة متضايقون جدا لوفاة محمد, وقد أتوا جميعا لتعزيتي.. يضيف الوالد, ويواصل: لابد من القصاص لابني. فليست هناك دين يسمح بقتل أتباع دين آخر.
سامي أرسل هو جار مسيحي لأسرة محمد يقول: علاقتنا الأسرية كجيران تمتد إلي عشرين سنة, ومحمد متربي وسطنا, ويوم المشكلة كنت في شغل بره فأنا كهربائي, وكنت تركت إبني الصغير في الورشة, وعندما عدت قلقا عليه; وجدت جيراني المسلمين, وقد أغلقوا الورشة, وأدخلوا ابني عندهم حفاظا عليه.
أحمد سامي وفيق من الجيران يؤكد أن إطلاق النار استمر نحو ثماني ساعات متواصلة من العمارات العالية المطلة علي الكنيسة, وهو ما يؤكده محمد الشويخ صاحب المقهي القريب. فيما تقول إن رامي عمل سواقا علي سيارة خردة مع شريكه أحمد والدة محمد: كان وحيدي علي بنتين, وكانت أخاف عليه بشدة, خاصة من أصدقاء السوء بالشارع.. الآن لو حصلت علي كنوز الدنيا فلن تعوض فقده.. ومش طالبة من الله إلا زرع الصبر في قلبي.
نريد تحقيقات نزيهة
مدحت مجدي فرج الله عطية42 سنة كبير اخوته.. يقول والده مجدي فرج الله عطية إنه انتهي لتوه من أداء الخدمة العسكرية, ويساعدني في العمل( أعمال حرة), وهو كبير اخوته.
روماني أخوه يقول إنه مات أمام بابا الكنيسة في الأحداث بثلاث رصاصات.. مش عارفين نحمل المسئولية لمين.. مدحت ليس له في المشكلات.. يحب الذهاب للكنيسة.. كان يقرأ الانجيل بانتظام, فقد كان حاصلا علي الدبلوم, وخلص خدمته العسكرية.
تقول والدته: أي حاجة في الدنيا لا تعوض أظفار إبني. وتروي: يوم السبت اصطحبت أخته كريستين لتأخذ الدرس بتاعها. لدي عودتي وجدت أباه وأخاه روماني يبحثون عنه. قالوا إنه مصاب داخل الكنيسة. ذهبت إليها.. رفض الضابط دخولنا, وبعدما ألح عليه والده وأخوه سمح لهما بالدخول.. يا لحرقة قلبي.. وجدناه ميتا.
أما سيمون زاهر, وهو محام وقريب للعائلة, فيقول: لابد أن نعترف بأن هناك احتقانا طائفيا, ولماذا كل المشكلات الطائفية من سيدات.. نريد تحقيقات نزيهة فيما حدث, وملاحقة الجناة أينما كانوا.. وأيا كانوا.
الاهرام
الإثنين يوليو 27, 2020 10:53 am من طرف الدكتور شديد
» شعيد وابن شهيد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:18 am من طرف الدكتور شديد
» رباعيات في الخاطر
الإثنين يوليو 27, 2020 10:16 am من طرف الدكتور شديد
» احوالك يا بلد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:15 am من طرف الدكتور شديد
» الله ما عارف
الإثنين يوليو 27, 2020 10:04 am من طرف الدكتور شديد
» امسك امسك
الإثنين يوليو 27, 2020 9:54 am من طرف الدكتور شديد
» ادينا ماشين
الإثنين يوليو 27, 2020 9:50 am من طرف الدكتور شديد
» اة منك يا دنيا
الإثنين يوليو 27, 2020 9:48 am من طرف الدكتور شديد
» ماتلومنيش يا صاحبي
الإثنين يوليو 27, 2020 9:38 am من طرف الدكتور شديد