الإمام عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر يخرج ثائرا متضامنا مع فلاحي بلبيس في مواجهة أمراء المماليك ضد الغلاء وكثرة الضرائب وتفشي المظالم وضيق المعيشة, فيحصل لهم علي وثيقة موقعة من الوالي بكل ما أرادوا.
والإمام سليم البشري يرفض تدخل الحاكم في إختياراته وتهديده له بعزله من منصبه قائلا: لن( أضحي بما يدوم في سبيل ما يزول).. الإمام المراغي شيخ الأزهر يتصدي للحكومة المصرية كيلا تشترك مصر في الحرب العالمية الثانية.. والإمام عبد المجيد سليم شيخ الأزهر يقف متصديا للملك فاروق لضغطه ميزانية الأزهر قائلا قولته الشهيرة
تقتير هنا وإسراف هناك) والامام عبد الحليم محمود يشهر إستقالته في وجه الرئيس السادات إعتراضا علي محاولات الانتقاص من إستقلال الأزهر.. والإمام شلتوت يفعلها أيضا في مواجهة الرئيس عبد الناصر..
هؤلاء بعض من مشايخ الأزهر وعلمائه الذين أخافوا الولاة العثمانيين والحكام المصريين كما أخافوا الإنجليز والفرنسيين, وسمحوا لساحات الأزهر وأروقته أن تكون مركزا لتنظيم المظاهرات الوطنية, وإلقاء الخطب الحماسية, ومنبرا لرفع الظلم, قادوا الشعب قيادة روحية و عسكرية في عين جالوت و الحملة الفرنسية, وأشعلوا نيران الثورة العرابية وثورة1919, ولم يلزموا الصمت أو يرفضوا تدخل الأزهر في شئون الرعية.
فهل إشتاق الناس لأن تعود للأزهر هذه الروح الثورية ؟ وهل افتقدوا الإمام القائد للمطالب.. المتبني للمظالم.. الذي يتصدي للحاكم الظالم, فبحثوا عن ذلك كله وأعلنوا أنه لن يعود إلا باستقلال الأزهر.. وإنتخاب الإمام الأكبر ؟
عام1690 شهد أول بداية رسمية لمشيخة الأزهر, وكانت الإمامة للشيخ محمد عبد الله الخراشي, ومنذ ذلك التاريخ وحتي الآن لم يحدث أن وصل أي من المشايخ لمنصب الإمام الأكبر عن طريق الإنتخاب, إذ كان التعيين هو الطريق الوحيد, ورغم أن القانون رقم106 لسنة1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر نص صراحة علي أن رئيس الجمهورية يعين شيخ الأزهر ولا يستطيع أن يقيله, كنوع من ضمان الإستقلالية وعدم الشعور بالتبعية لرئيس الدولة إلا أن الواقع يؤكد أن هذا النص لم يكن كافيا في نظر الكثيرين لتحقيق كامل الإستقلالية والحرية لشيخ الأزهر, وبعد ثورة25 يناير علت الأصوات المطالبة بضرورة الإقدام علي تغيير هذا النص القانوني, ليتيح للعلماء إختيار شيخا للأزهر من بينهم, ولا يكون للحاكم أي تدخل في إختياره والذي لابد أن يراعي بالإضافة لمقومات العلم والكفاءة مقومات أخري ضمنية منها ألا يكون معارضا للنظام!
هذا المطلب كان سببا في إندلاع العديد من المظاهرات وخروج المسيرات تطالب بالإنتخاب, وهو الأمر الذي لم يعترض عليه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب, معلنا تأييده لمبدأ الإنتخاب, وإن كان أبدي تحفظا عليه تمثل في الخوف من أن تدخل أمور أخري في الإختيار, كالأموال مشيرا إلي وجود إسلام سياسي ممول وحركات سياسية ممولة ودعاة ممولين داخليا أو خارجيا, ومن الممكن أن يحدث شراء للأصوات, وقال: لا أريد أن يأتي شيخ الأزهر بالقوة أو بالمال أو السياسات, وإنما يأتي بالتعيين ولكن يتمتع بالاستقلال, ومع ذلك أشار لمساوئ نظام التعيين ومنها عند إختيار شيخ للأزهر ضعيفا.
والآن مع إستجابة الدولة ممثلة في الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء لمطالب تطوير الأزهر وقانونه يكون من الضروري أن نتعرف علي ماهية هذا التطوير كما يراها العلماء والمهمومون بأزهرنا الشريف.
ما معني إستقلال الأزهر وكيف يتحقق هذا الإستقلال ؟ هل يكون بإخراج المؤسسة الدينية من زمرة مؤسسات الدولة فلا يكون لها أي سلطان عليها فتصبح كيانا منفصلا ؟
يقول العالم الكبير الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: إستقلال الأزهر ليس معناه أن يكون شيئا وتكون الدولة شيئا آخر, وإنما هو كإستقلال الأبناء بعد زواجهم بحياتهم دون أن يقطعوا صلتهم بآبائهم, ويعني الإستقلال ألا يكون هناك إملاء سياسي يتعرض له الأزهر, فيتغير موقفه حينا بعد حين وفقا لتغير الواقع السياسي, فالأزهر يجب ألا يكون محكوما أو خاضعا لتيار سياسي معين, لكي يستطيع القيام بأحد أهم مهامه, وهي النصح والإرشاد والتنبيه للمخاطر علي كافة الأصعدة والتحذير من مخاطر الفساد والوقوف في وجه الفاسدين والظالمين, بالإضافة للدعوة لوحدة المجتمع, يفعل ذلك الأزهر في جميع الإتجاهات ولكل التيارات داخل المجتمع بشكل محايد دون ميل أو محاباة لأحد,وهذا يتطلب كذلك ألا يكون شيخ الأزهر خاضعا لأي تيار سياسي خاصة مع تداول السلطة.
ولكن كيف يكون للأزهر, بل لأي مؤسسة, هذه الحريات التي قد تصل بها للوقوف في وجه الحاكم إذا لزم الأمروالإعتراض علي أخطائه, في الوقت الذي تعتمد فيه المؤسسة الأزهرية علي أموال وموازنة الدولة ؟
كانت إجابة الدكتور الأحمدي علي هذا السؤال بدعوة أعلن أنه يطلقها عبر منبر شباب التحرير للمطالبة بدراسة كيفية جعل ميزانية الأزهر مستقلة عن ميزانية الدولة, عن طريق فتح الباب للتبرعات وللوقف الذي يحقق موارد مالية ثابتة تفي بإحتياجات هذه المؤسسة, مؤكدا أن الحديث عن إستقلال حقيقي لتوجهات الأزهر يلزمه أن يتحقق أولا الإستقلال الإقتصادي له, وتساءل: لماذا نعتقد أن تمويل المؤسسات الكبري لن تقدر عليه سوي الدولة ؟ مع أن الواقع أن الكثير من الجامعات في مختلف دول العالم تعتمد علي التبرعات والهبات وعلي أموال الوقف, وطالب الأحمدي بأن يدرس الأزهر إنشاء مجلس إدارة للنظر في هذه التبرعات وتنظيم قبولها وإدارتها, مؤكدا أن الفكرة ستلقي قبولا من المسلمين داخل مصر وخارجها, الذين يلتفون حول الأزهر كموسسة عالمية في العلم والدعوة, ويمكن أن تكون مساهمتهم من باب الصدقة الجارية بأي وقف يدر عائدا علي الأزهر كالأراضي الزراعية, ويشير إلي أن إستقلال الأزهر سيجعله أكثر تأثيرا وقبولا في المجتمع وستكون كلمته مسموعة كما كانت.
حجم الإنفاق المالي في الأزهر كبير, إذ أنه مؤسسة دعوية وتعليمية ضخمة تضم تحت لوائها المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية, والمشيخة, ومدينة البعوث الإسلامية بالقاهرة والأسكندرية والتي يقيم بها الدارسون من جميع أنحاء العالم بمنح من الأزهر.. المزيد من الشرح بلغة الأرقام حصلنا عليه من الدكتور محمد عبد الحليم عمر رئيس مركز صالح كامل للإقتصاد الإسلامي سابقا والأستاذ بكلية تجارة الأزهر الذي أكد إستحالة الإستقلال المالي للأزهر عن الدولة في ظل موارده الحالية, التي لا تخرج عن عوائد الوقف الذي استرده أخيرا في عهد شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي والتي تدر حوالي مائة مليون جنيه سنويا, في حين أن ميزانية الجامعة وحدها تفوق المليار ونصف سنويا, هذا بخلاف أن المعاهد الأزهرية وباقي الموارد المالية للأزهر ضعيفة خاصة من رسوم التعليم, مشيرا إلي أن طلاب الدراسات العليا لا يستطيعون دفع مبلغ ثلاثمائه جنيه مطلوبة منهم, وكل عوائد صناديق تحسين الخدمات التعليمية لا تزيد علي40 مليون جنيه سنويا!
وينبه د.عمر لخطورة الإنفصال عن الدولة في مجال التعليم الأزهري الذي يجب أن يظل مرتبطا باستراتيجية الدولة وإحتياجات سوق العمل, خاصة أن خريج الأزهر لن يعمل سوي في تخصصه, ويشير إلي أن الإستقلال الفني كما في الفتوي أو البحوث والآراء الشرعية أمر متروك لشخصية شيخ الأزهر, ويستطيع أن يحقق ذلك, حتي ولو كان تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية.
الأزهر مؤسسة علمية وتعليمية تحافظ علي الإسلام وهوية الأمة, وليس من دورها أن تثور ضد نظام أو تصفق لنظام, هكذا نفي فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الدور السياسي لهذه المؤسسة في تصريحات أعلنها بعد سقوط نظام الرئيس مبارك أثناء حواره لقناة العربية, موضحا أن تحول الأزهر لمؤسسة سياسية تجعله يموت وينتهي, لأن عليه أن يتبع في هذه الحالة نظام أو ثورة, وقصر الطيب الموقف المحايد للأزهر علي الشأن السياسي الداخلي, مؤكدا أن الأمر سيكون مختلفا إذا واجهت مصر إستعمارا خارجيا, كأن تدخلها إسرائيل مثلا, فعندئذ سيكون هو أول الثائرين! وقال شيخ الأزهر ردا علي سؤال إستعان بنص الحديث الشريف
إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر), أن الإسلام أباح الصبر علي المنكر كما أباح التغيير باليد أو اللسان أو القلب, قائلا: نحن كنا مجاهدين بالقلب!
ولكن في الوقت الذي ينفي فيه الإمام الأكبر الدور السياسي عن الأزهر نجده قد أصدر بيانا تحريضيا قويا ضد الرئيس الليبي معمر القذافي, داعيا للخروج عليه, مما أثار دهشة الكثيرين الذين عقدوا مقارنة بين الحماسة لإسقاط النظام في دولة عربية وبين حالة شبه الصمت التي سيطرت علي الأزهر تجاه أحداث ثورة الشعب ضد الرئيس والفساد والتوريث, مكتفيا بعدة بيانات متوازنة ومهدئة للأوضاع, وهو ما دعا شباب الثورة لإصدار بيان للمطالبة بموقف أكثر حسما من الأزهر, داعين شيخه للإقتداء بسلوك شيوخه القدامي الذين واجهوا بكل حزم علي مر العصور طوفان الطغاة, وطالبوا الدكتور الطيب بتقديم إستقاله إحتجاجا علي سياسات النظام.
واجبات العلماء تجاه الحكام, أمر أشارإليه المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا متحدثا في أحد مؤلفاته عن النظام السياسي للدولة الإسلامية.. يقول: يمتلئ التاريخ بمواقف للعلماء المسلمين في الجهر بآرائهم السياسية في مواجهة الحاكمين غير مبالين بما وراء ذلك من عواقب, مهتدين بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لأصحابه: الدين النصيحة وعندما سألوه لمن تكون؟ ذكر أئمة المسلمين من بينهم, فكان منهج العلماء النصح والإرشاد والبيان, ويذكر العوا أحد تلامذة أبي حنيفة الذي كتب إلي هارون الرشيد مبينا له واجبات الحاكم وما يحل له وما لا يحل له في مباشرة أمور رعيته, فقال له
فلا تلق الله غدا وأنت سالك سبيل المعتدين, فإن ديان يوم الدين إنما يدين العباد بأعمالهم ولا يدينهم بمنازلهم, وقد حذرك الله فاحذر فإنك لم تخلق عبثا ولن تترك سدي..) ويوضح العوا أن ذلك كان مسلك العلماء المسلمين ليس في العصور الأولي للإسلام فقط وإنما علي إمتداد التاريخ كانت مواقف لابن تيمية والنووي والعز بن عبد السلام الذين غلب الظلم والجور في عصورهم, فلم يثنهم سجن أو تعذيب عن أن يصدعوا بكلمة الحق,وكان ذلك تدخلا في السياسة بدون هدف أو مصلحة إذ كانوا يرفضون المناصب ويهربون من الجاه.
الهم الواحد والألم المشترك, كان دافعا لتوحد الكثيرين من أبناء الأزهر الموزعين علي قطاعات المؤسسة الدينية مابين أئمة ودعاة وأساتذة بجامعة الأزهر وعلماء بدار الإفتاء في كيان أسموه إئتلاف دعاة الأزهر, يحدثنا عنهم واحد منهم وهو الشيخ أحمد تركي إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية قائلا: لأننا جميعا درسنا بالأزهر وتشربنا وسطيته وإعتداله فنحن نطالب بإعادة الثقة في هذه المؤسسة التي يحبها الناس, لأن فيها الأعتدال المطلوب الذي يحققه الأزهر ولا تحققه التيارات الدينية الأخري التي تسعي لفرض نفسها علي المجتمع الآن, لذا نطلب إستقلال الأزهر,وإختيار شيخه بالإنتخاب لا بالتعيين,ويتم إنتخابه من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ولكن بعد أن يعاد إنتخاب هؤلاء الأعضاء الذين يجب أن يكون للأزهريين رأي في إختيارهم,وإبعاد التدخلات الأمنية في عمل الدعاة والخطباء علي المنابر, وتنحية قيادات الأوقاف من المنتمين للحزب الوطني الذين وظفوا الدعوة لخدمة النظام وليس لصالح المجتمع, ووضع قواعد لإختيار القيادات تعتمد علي العلم والكفاءة, ويضيف تركي أن الأئمة عانوا كثيرا وتعرضوا لمضايقات لمجرد أن ينجح أحدهم في أن تكون له خطبة مؤثرة وجمهور يلتف حوله, فالقدرة علي التأثير كانت غير مطلوبة من الجهات الأمنية ومن رؤسائنا في الأوقاف.
الإثنين يوليو 27, 2020 10:53 am من طرف الدكتور شديد
» شعيد وابن شهيد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:18 am من طرف الدكتور شديد
» رباعيات في الخاطر
الإثنين يوليو 27, 2020 10:16 am من طرف الدكتور شديد
» احوالك يا بلد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:15 am من طرف الدكتور شديد
» الله ما عارف
الإثنين يوليو 27, 2020 10:04 am من طرف الدكتور شديد
» امسك امسك
الإثنين يوليو 27, 2020 9:54 am من طرف الدكتور شديد
» ادينا ماشين
الإثنين يوليو 27, 2020 9:50 am من طرف الدكتور شديد
» اة منك يا دنيا
الإثنين يوليو 27, 2020 9:48 am من طرف الدكتور شديد
» ماتلومنيش يا صاحبي
الإثنين يوليو 27, 2020 9:38 am من طرف الدكتور شديد