هو جناح العدالة الاجتماعية الغائب للثورة حتي الآن, رغم ان ان حكومة تسيير الاعمال الحالية اعلنت انها بصدد..انه الحد الادني للاجور,
الذي كان ومازال يمثل المطلب الاساسي لغالبية العاملين والموظفيين الذين يخرجون يطالبون في مظاهرات بالعدالة الاجتماعية, وعلي قمتها حد ادني للاجور يوفر الحياة الكريمة للانسان في مقابل غول الغلاء الذي التهم ليس فقط دخول غالبية المصريين ولكن طرح ارضا الكرامة وعزة النفس وتسبب في تفشي الفساد والبطالة.
ورغم ان هناك اجماعا عاما حول ضرورة تصحيح هيكل الاجور في المجتمع, الا انه مازال هناك خلاف حول قيمة الحد الادني المناسب للاجر, وآلية تنفيذه في الحكومة والشركات العامة وايضا في القطاع الخاص.. وربما يعكس هذا الخلاف عدم توفر رؤية اقتصادية متكاملة لاعادة التوازن للاقتصاد القومي الذي اختل خلال نظام الرئيس السابق, بسبب اختلال السياسات المالية والاقتصادية, والتحول لدولة جباية بالدرجة الاولي لحساب فئة محدودة من رجال الاعمال يتمتعون دون غيرهم في المجتمع بالاعفاءات الضريبية غير الضرورية, وفتحت لهم كل طرق النهب للثروات العامة مما احدث خللا مهولا بين الدخول واتساع هوة الفقر.. ومن هنا فإن تصحيح هيكل الاجور يتم من خلال تصحيح هيكل الاقتصاد.. وهو ما يحاول هذا التحقيق توضيحه من خلال آراء عدد من الخبراء في السياسات المالية والاقتصادية.
فحتي وقت قريب قبيل اندلاع الثورة الشعبية, كان وزيرالتنمية الاقتصادية الدكتور محمد عثمان يغالط ويناور بشأن وضع حد ادني مناسب للاجورفي مواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة, ويخلط بينه وبين حد الكفاف او الفقر وحسب ما أوضحه لي الدكتور محمود عبد الحي المدير السابق لمعهد التخطيط القومي والخبير به, ان التقرير الاقتصادي الذي اعده معهد التخطيط القومي في العام المالي2009/2008 ناقش ضرورة تعديل الحد الادني للاجور في ضوء الدراسة التي اعدها خبراء بالبنك الدولي حول خط الفقر او حد الكفاية والذي اقترح اين يكون في ذلك العام860 جنيها, وبعد طرح الحد الادني للاجور للنقاش العام وكان مقترحا وقتها اللجوء لدراسة البنك الدولي للاسترشاد, الا ان الوزير رفض اقترح البنك الدولي والمطالب العامة بأن يكون الحد الادني للاجور1200 جنيه, واقترح بدلا من ذلك أن يكون الحد الادني للاجور400 جنيه شهريا, اي نصف ما اقترحه البنك الدولي منذ عشر سنوات مضت, وذلك في نفاق واضح وقتها لرجال الاعمال ولاركان دولة الجباية والنظام السابق, وهو الامر الذي اثاراستياء جماهيريا عاما, الا ان موقف الوزير كان يتسق مع هدف النظام السابق وهو افقار الناس, وافقار النظام الاقتصادي للبلاد.
وكانت الحجة للحكومة عدم توافر الاموال اللازمة لتمويل تصحيح هيكل الاجور رغم ان الدولة كانت تقدم2,4 مليار جنيه سنويا لدعم الصادرات تذهب لعدد محدود من المصدرين من اصحاب الحظوة. فقد كان من الضروري ـ والكلام للدكتور عبد الحي ـ رفع الحد الادني الرسمي للاجور منذ ثمانينيات القرن الماضي وهو32 جنيها للمعينين الجدد في الحكومة, الا ان هذا التصحيح لم يتم وجرت عمليات تشويه لزيادة الدخول عن طريق نظام المكافآت والحوافزادت لخلل كبير بين دخول العاملين في المؤسسة الواحدة, وتجاهل النظام السابق اجراء اي دراسة واقعية لتكلفة المعيشة يتم علي اساسها تحديد الدخل المناسب للعاملين والتي من المفروض ان تتم كل ثلاث سنوات علي الاقل. ويضيف.. لقد حاولنا اقناع وزير الاقتصاد الدكتور محمد عثمان بان تنشيط وتعديل اجور المواطنين هو تنشيط للاقتصاد ذاته, الا ان رده كان دائما الرفض المستمر.
وفي رايي ان حصول الموظف العادي بدون مؤهلات عليا علي اجر مناسب يتراوح ما بين900 الي1200 جنيه يوفر له الحياة الكريمة, سيسهم في تصحيح ليس فقط هيكل الاجور وانتزاع التوتر والغضب الاجتماعي بسبب الفوارق الكبيرة بين الدخول, ولكنه سيعطي للادارة حق تطبيق اجراءات الثواب والعقاب وبالتالي زيادة معدلات الانتاجية في الاقتصاد, وفي نفس الوقت سوف يصحح المفاهيم المغلوطة التي سعي النظام السابق الي اقناع الراي العام بها بأن رفع الحد الادني للاجور له تاثيرات سلبية علي الاقتصاد وسيؤدي لتفاقم التضخم وارتفاع الاسعار لعدم ارتباطه بزيادة الانتاجية قبل اقراره.
والواقع كما أري عكس ذلك, لان زيادة الاجر في البداية ستزيد الانتاجية و تحقق مبدأ المحاسبة والثواب والعقاب, وستحد كثيرا من ان يعمل الموظف بربع طاقته كما يحدث الآن, لكن اعطاء العامل حقه او اجره كاملا بما يوفر له المعيشة الكريمة ستدفعه في حالة تطبيق المحاسبة الجادة دون افتراء لان يعمل بكل طاقته خوفا من ان يفقد وظيفته اذا تكاسل. و من المتوقع ان تدفع تحسن الحالة المعيشية الموظف ايضا لترك الوظيفة الثانية التي يعمل بها بعد الظهر لزيادة دخله مثل العمل كسائق تاكسي او في محل, الامر الذي سيساهم في توفير وظائف للباحثين عن العمل.
وتطبيق هذا المفهوم في الاصلاح الاقتصادي سوف يصحح المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة في نظام الرئيس السابق حول علاقة زيادة السكان بالتنمية. فقد اشاع اقتصاديو النظام السابق ان انخفاض معدل النمو الاقتصادي يعود لزيادة معدل النمو في السكان الذي يلتهم أي زيادة في التنمية وفي رأيي ان هذا القول مغلوط لانه يضع العربة امام الحصان. والواقع ان زيادة اجور العاملين كانت وراء زيادة معدلات التنمية في الدول المتقدمة. كما ادي تحسن مستوي المعيشة وحصول العامل علي اجر مناسب لتراجع معدل زيادة السكان بهذه الدول, فالاجر المناسب يحقق للانسان التوازن الاقتصادي والنفسي والاجتماعي. والواقع ان اصرار النظام الاقتصادي لمبارك علي عدم تطبيق سياسات عادلة للاجور في المجتمع لاحباطات نفسية وقهرللانسان المصري العادي الذي يضطر, لمواجهة هذا القهر ان يحقق ذاته من خلال بطولات فردية للتعويض علي السرير مما ادي لزيادة سنوية كبيرة للسكان كانت بلاشك تلتهم الزيادت المتواضعة في التنمية التي يقوم بها القطاع الخاص.
اذن توفير حد ادني للاجور قد يعيد, مع تطبيق اجراءات اقتصادية ومالية, ذلك التوازن الذي فقده الاقتصاد القومي, وفي نفس الوقت يتفق مع التغييرات السياسية التي افرزتها ثورة25 يناير, وبرزت معها تيارات تري ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية وعلي قمتها حد ادني عادل للاجور.. وهو ما يوضحه الدكتور حسين شحاته استاذ الاقتصاد بجامعة الازهر الذي يري ان حصول العامل علي اجر مناسب يوفر له الحياه الكريمة هو حق اقتصادي يجب ان توفره الدولة وبتضامن الاغنياء من خلال الزكاة والصدقات والضرائب, وبحيث يغطي هذا الحد الادني تكلفة الحاجات الاساسية للانسان من غذاء وشراب وكساء وماوي للسكن وعلاج وتعليم وزواج لحفظ العرض. هذا الحد الادني للاجر من موجبات العدالة.
وفي ضوء التغييرات الحالية بالاسواق المصرية, فإن زيادة تكلفة المعيشة يجب ان تراجع كل اربعة أشهر حتي تستقر ويصبح التوازن واقعيا بين تكلفة المعيشة والاجر. وفي ضوء ذلك أري ان يكون الحد الادني لاجرالفرد الاعزب1200 جنيه وللمتزوج1500 جنيه والمتزوج ويعول2000 جنيه مع الاخذ في الاعتبار سنوات الخبرة للموظفيين, وان يزيد هذا الاجر سنويا بمعدل ارتفاع اسعار الحاجات الاصلية. بينما يري الدكتور يوسف ابراهيم استاذ الاقتصاد بجامعة الازهر ان المقصود بالحد الادني هو اجر من لايحمل مؤهلات, اما اجرالحاصل علي مؤهل متوسط فيجب ان يصل الي1500 جنيه والجامعي ما بين2000 الي3000 جنيه, علي ان يجري تصحيح او تعويضات لبقية العاملين في المؤسسات حسب دراسات لجان الخبراء, ومن خلال قواعد مع اعطاء علاوة كل خمس سنوات علي الاقل. بينما يري الدكتورحمدي عبد العظيم العميد الاسبق لاكاديمية السادات للعلوم الادارية ان مشكلة عدم اقرار حد ادني مناسب للاجر يعود لسوء توزيع الدخول والاجور في المجتمع, حيث توجد فوارق كبيرة بين الدخول والاجور, لذلك فإن تحديد حد ادني للاجور يستلزم وضع حد اقصي ايضا للاجور وذلك حسب ما ينص دستور71, ولكن للاسف فان النظام السابق كان غير مهتم بتطبيق الدستور الذي ينص علي يتناسب الحد الادني للاجور مع التكلفة الحقيقية للمعيشة, لكن نظام مبارك لم يكن يهتم بتوفير حد ادني كريم من المعيشة للمواطنين, وذلك في الوقت الذي كانت اسعار السلع والخدمات والاسكان في ارتفاع مستمر وبمعدلات كبيرة تفوق قدرات الغالبية.
ويضيف الدكتور عبد العظيم ان زيادة الحد الادني للاجور لمستويات الاسعار الحالية, وفي ضوء الاوضاع الحالية للاقتصاد القومي, سوف تشكل تكلفته عبأ كبيرا علي الموازنة العامة للدولة, ويشعل اسعار السلع ويرفع معدلات التضخم لمستويات كبيرة خاصة بالنسبة لتكلفة تعويضات العاملين القدامي. و قد تبدو الظروف الاقتصادية الحالية غير مناسبة, بسبب تراجع معدل النمو في الناتج القومي الاجمالي بعد اندلاع ثورة25 يناير من نحو5,3% في شهر ديسمبر لاقل من3% في شهر يناير الماضي حسب تقديرات البنك الدولي, ويعود ذلك لاغلاق المصانع وتلف السلع المخزنة وبسبب اغلاق الطرق, وتوقف السياحة تقريبا وفي ضوء العجز الحالي بموازنة الدولة, يمكن ان تشكل عملية تصحيح هيكل الاجور اعباء كبيرة اذا لم يتم توفير موارد لتمويل الزيادة الكبيرة في اجور العاملين بالدولة, وهذا يعني ان تضطرالخزانة العامة لتمويل ذلك اما بطبع اوراق نقدية او الاستدانة.
ولكن تغييرطريقة تفكيرنا لحل هذه المشكلة قد تساعد علي ايجاد حل يستجيب لمطلب تحقيق العدالة الاجتماعية بزيادة الحد الادني للاجور, وذلك عن طريق تطبيق حد اقصي ايضا للاجور في مؤسسات الدولة. لقد فعلها الرئيس الامريكي اوباما عندما فرض حد اقصي لدخول مديري البنوك, لمواجهة الخلل الكبير في الدخول والعجز الكبير في ميزانيات البنوك بسبب الرواتب الخيالية التي كان يحصل عليها هؤلاء المديرون. ويضيف الدكتور عبد العظيم ان الحد الاقصي للاجور كان مطبقا ايام الرئيس جمال عبد الناصر وكان يبلغ54 الف جنيه في السنة. وفي تصوري ان الية تطبيق حد ادني مناسب للاجريمكن ان يتم من خلال ضم الحوافز والمكافآت او ما يعرف باسم الاجرالمتغير الي الاجرالاساسي للموظف في الشركات, والحد الاقصي يجب الا يتجاوز20 الف جنيه في الشهر. اما الاجور الخاصة التي تقدم لذوي الخبرات الخاصة, فلا بد من وضع صيغة لها بموافقة الجمعية العمومية لكل شركة, و بناء علي اقتراح مجلس الادارة, وان يكون التطبيقي نطاق ضيق ولفترة محددة لعمل الخبير.
وبالنسبة للتعويضات الخاصة بالعاملين القدامي.. يري الدكتور محمود عبد الحي ان يتم ذلك من خلال تطبيق شرائح نزولية عن طريق ضرب حصيلة الراتب الاساسي في عدد شهور السنة, علي ان يتناقص عدد الشهور التي تضرب في الراتب كلما زادت مدة الخدمة والمرتب او الدخل, مشيرا الي ان اصلاح الخلل الحالي في الاجور هو طريقنا الي الاصلاح الاقتصادي وزيادة الانتاجية, ولكن لابد ان يترافق معه اجراءات حكومية للسيطرة علي الاسعار والاسواق من خلال وضع هامش للارباح علي اسعار السلع والخدمات الاساسية تتم من خلال اتحادات الغرف الصناعية والتجارية.
وبشكل عام فإن هوامش الارباح الجائرة التي سادت خلال عهد مبارك لم تعد مناسبة الآن, فقد كانت هذه الهوامش تتراوح في الصناعات الغذائية ما بين40 الي60%, ترتفع بعد اضافة ارباح التجار والموزعين الي ما بين150% الي200%. ومن المفروض ان هامش الربح الطبيعي الا يتجاوزضعف معدل الفائدة السائد بالبنوك, وبحد اقصي25% من التكلفة. كما يجب في نفس الوقت, تفعيل دور الجمعيات التعاونية الاستهلاكية لتقديم السلع بأسعار مناسبة للمستهلكين. يطالب الدكتور يوسف ابراهيم بضرورة عودة القطاع العام للعمل في مجالات السلع الاستراتيجية الغذائية والاساسية مثل الاسمنت والصلب والنسيج. كما يجب ان تستعيد الدولة المصانع التي اخلي مشتروها بشروط التعاقد معهم مثل تسريح اعداد كبيرة من العاملين, او تغيير نشاطها, او بيع الاراضي الخاصة بالمصانع للتخلص من الشركات فيما بعد, ويمكن اللجوء للتفاوض لالغاء هذه العقود وعودة هذه الصروح الصناعية لملكية الدولة وللشعب.
ويضيف الدكتورحسين شحاته ان نجاح تطبيق حد اني للاجورلتحقيق العدالة الاجتماعية, يستلزم تطبيق مجموعة من الاجراءات لتصحيح مسارالاقتصاد مثل: ضرورة تركيز الدعم علي السلع والخدمات الضرورية للطبقة الفقيرة التي تعيش دون حد الكفاية, والتشديد في منع التزاوج بين المال والسلطة من خلال منع كافة العاملين بالحكومة والقطاع العام وذويهم من المشاركة في مشروعات عامة بطريقة مباشرة او غير مباشرة, واعطاء اولوية الموافقة علي المشروعات الاستثمارية لمشروعات ذات العلاقة بالانتاج في مجال السلع الضرورية والحاجات الاساسية, ومحاسبة افراد النظام السابق علي ثرواتهم المكتسبة بدون وجه حق وردها للخزينة العامة, واعادة النظر في الاعفاءات الضريببة المعطاة لبعض المستثمرين ولا ينتفع بها الوطن, وإلغاء الصناديق الخاصة وضمها لموازنة الدولة, وخضوع كافة الموارد والنفقات العامة للرقابة الشاملة والفعالة, وانشاء صندوق استثماري من الاموال التي آلت للشعب من افراد النظام السابق والإعانات الواردة من الخارج لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من خلال القرض الحسن والمشاركة المنتهية بالتمليك.
واشار الي ان المنهج الاسلامي لعلاج مشكلة التوزان بين الاجور والاسعار يقوم علي منع الاحتكار, وتجنب المغالاة في فرض الضرائب والرسوم علي المعاملات, وتخفيف القيود علي انتقال السلع والخدمات بين الدول العربية, من وجهة نظر الدكتور حمدي عبد العظيم, تتطلب اصدار قانون, اذا لم يكن موجودا, يسمح بتحديد سعر جبري للمنتجات الاحتكارية, والسلع الضرورية, وكل ذلك لا يتعارض مع الاقتصاد الحر, الذي يقر وضع ضوابط لحماية الاغلبية الكادحة من العاملين في المجتمع لتحقيق العدالة الاجتماعية, ومثل هذه الاجراءات مطبقة في دول نظم الرفاهية الاقتصادية في المانيا والدول الاسكندنافية وايضا في انجلترا والولايات المتحدة الامريكية, حيث يطبق حد اقصي للدخول, وطوابع للغذاء واعانة بطالة لحماية الفقراء.
الإثنين يوليو 27, 2020 10:53 am من طرف الدكتور شديد
» شعيد وابن شهيد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:18 am من طرف الدكتور شديد
» رباعيات في الخاطر
الإثنين يوليو 27, 2020 10:16 am من طرف الدكتور شديد
» احوالك يا بلد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:15 am من طرف الدكتور شديد
» الله ما عارف
الإثنين يوليو 27, 2020 10:04 am من طرف الدكتور شديد
» امسك امسك
الإثنين يوليو 27, 2020 9:54 am من طرف الدكتور شديد
» ادينا ماشين
الإثنين يوليو 27, 2020 9:50 am من طرف الدكتور شديد
» اة منك يا دنيا
الإثنين يوليو 27, 2020 9:48 am من طرف الدكتور شديد
» ماتلومنيش يا صاحبي
الإثنين يوليو 27, 2020 9:38 am من طرف الدكتور شديد