ديفيد روز
الكتاب:
غوانتانامو.. حرب أمريكا على حقوق الإنسان
المؤلف:
ديفيد روز
ترجمة:
وسيم حسن عبده
الطبعة:
الطبعة العربية الأولى 2007 م
الصفحات:
224 صفحة من القطع المتوسط
الناشر:
دار الأوائل للنشر والتوزيع ـ دمشق ـ سورية
عرض:
محمد بركة
ما أنْ خَلَفَ أوباما بوش الابن على سدة الحكم في أمريكا؛ حتى أصدر تصريحات بشأن معتقل "غوانتانامو"، حيث أنه أكثر السجون إثارة للجدل على مستوى العالم، وعزمه على إغلاقه خلال عام..
ورغم مرور ما يزيد على سبع سنوات على إنشاء معتقل "غوانتانامو"، حيث أنشئ عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإن هذا المعتقل مازال يثير الجدل والانتقادات من جانب المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية، كما يُطالب كثير من المهتمين بأوضاع حقوق الإنسان بإغلاق هذا المعتقل الذي يرون فيه رمزًا للتعذيب والخروج على القانون الدولي.
وفي هذا الإطار يأتي كتاب: غوانتانامو.. حرب أمريكا على حقوق الإنسان، الذي يحاول مؤلفه ديفيد روز الصحفي في مجلة الأوبزيرفر، إلقاء الضوء على هذا المعتقل، من خلال لقاءات ميدانية أجراها مع حراس ومسؤولين، وكوادر طبية بالإضافة إلى آمر المعتقل.
مؤلف الكتاب هو الكاتب والصحفي البريطاني "ديفيد روز" الحائز على العديد من الجوائز الصحفية، ومنها جائزة "العالم الواحد" لصحافة حقوق الإنسان، وهو من الكتّاب الدائمين في مجلتي: المراقب، وذا أوبزيرفر، فضلاً عن صحيفتي: متاع الدنيا، وفانتي فير البريطانية.
وقد بدأت قصة تأليفه الكتاب عندما زار معتقل "غوانتانامو" ضمن وفد مكون من 250 صحفيًا في أكتوبر 2003م، وكتب عنه مقالة نشرت في صحيفة فانتي فير؛ ثم تابع قضية معتقلي "غوانتانامو" عبر مصادر متعددة حتى تجمعت لديه الخيوط الكاملة للقضية، فنسج منها الكتاب الذي بين أيدينا تحت عنوان: غوانتانامو.. حرب أمريكا على حقوق الإنسان؛ والذي صُدرت طبعته الأولى المترجمة إلى العربية على يدي وسيم حسن عبده عام 2007م، عن دارالأوائل للنشر والتوزيع بدمشق في سوريا؛ ويقع الكتاب في (224) صفحة من القطع المتوسط، مدعومة بملحق صور مكون من ثمان صفحات تؤكد الكثير من الحقائق التي أوردها المؤلف في ثنايا كتابه.
جاءت الطبعة العربية للكتاب مكونة من مقدمة للمترجم قدم فيها لمحة تاريخية موجزة عن تاريخ هذا المعتقل، وسرد روايتين لكيفية سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على هذه القاعدة في الأراضي الكوبية. تقول الرواية الأولى إن قاعدة "غوانتانامو" كانت إحدى غنائم الولايات المتحدة بعد انتصارها على أسبانيا، التي كانت تستعمر كوبا سنة 1898.
أما الرواية الثانية فتقول إن سلطة أمريكا على هذه القاعدة تعود إلى سنة 1903 فقط، حين قبلت كوبا التخلي عنها مقابل إيجار سنوي قدره نحو أربعة آلاف دولار؛ وذلك تعبيرًا عن امتنان كوبا للولايات المتحدة التي ساعدتها في التحرر من أسبانيا. وبغض النظر عن صحة هذه الرواية أو تلك، فإن "غوانتانامو"، التي تبلغ مساحتها 117 كم مربعًا، وفيها نحو 2300 جندي أمريكي، باتت وصمة عار على جبين بلادهم الَّتي تدعي أنها دولة السيادة والقانون.
ثم تأتي بعد ذلك مقدمة المؤلف التي يستعرض فيها بإيجاز كيفية القبض على بعض البريطانيين، الذين كانوا متواجدين لأسباب اجتماعية خاصة، في باكستان وأفغانستان عند بدء الحرب الأمريكية على أفغانستان، وكيف تم نقلهم بصورة لا إنسانية مكبلين بالسلاسل، مغمضي العيون، مسدودي الآذان على متن إحدى طائرات سي 17 العسكرية الأمريكية إلى "غوانتانامو"، بعد رحلة استغرقت 27 ساعة، ليودعوا زنزاناتهم الفولاذية المكشوفة، ذات الأرضية الأسمنتية الصلبة، فيما كان يسمى آنذاك بمعتقل أشعة إكس، والذي تم تحويله فيما بعد إلى معتقل دلتا، ليستكملوا مسلسلاً طويلاً من الإهانة والإذلال والتعذيب.
ويذكر المؤلف في المقدمة الأسباب الكامنة وراء تأليفه لهذا الكتاب، بقوله: يحاول هذا الكتاب الإجابة عن سؤال "رسول" وهو أحد المعتقلين البريطانيين، وكان سؤاله عندما وصل إلى "غوانتانامو" هو: ما هذا المكان بحق الجحيم؟ وأن ينظر في أسئلة أخرى: من هم سجناء غوانتانامو؟ وما هو سبب احتجازهم؟ وما هو موقع "غوانتانامو" فيما يسمى بالحرب على الإرهاب؟ وإلى أي حد كان فعالاً في إنجاز المهمة المرجوة منه؟ وما مدى توافقه مع مزاعم الرموز البارزة في إدارة (جورج بوش) حوله وحول نزلائه؟
وقد سعى المؤلف إلى الإجابة عن هذه الأسئلة عبر صفحات الكتاب، التي جاءت في أربعة أجزاء على النحو التالي:
بدافع الشرف
في الجزء الأول الذي جاء عنوانه "بدافع الشرف" يستعرض المؤلف الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية في حق الشعب الأفغاني، بمساعدة قوات رشيد دستم، الحليف الأفغاني للقوات الأمريكية في أفغانستان معتمدًا على مصادر عديدة ممن عملوا في أفغانستان آنذاك تحت رعاية الأمم المتحدة، ومن خدموا في القوات الأمريكية، فضلاً عمن التّقاهم من المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم من "غوانتانامو".
وتناول ما دار في لقائه مع آصف إقبال وأصدقائه، الذين كانوا ضمن الدفعة الأولى التي دخلت المعتقل، وصور كيف دخل أولئك السجناء المعتقل فاقدي الوعي، ليصحوا وهم فوق كومة من الأجساد يستنشقون روائح دمها. وروى كيف حاول المحققون إلصاق التهم بهم، وإقناع الآخرين بأنهم قابلوا أسامة بن لادن. لكن جهاز الاستخبارات البريطانية نفى تلك المزاعم بعد ذلك.
وأشار المؤلف في هذا الجزء إلى نقطة مفصلية في أداء السياسة الأمريكية، عندما عرض لشهادة المقدم أنتوني كريستينو الذي تقاعد من الجيش الأمريكي سنة 2004، حيث رأى هذا الأخير أن الجيش الأمريكي وقع في خطأ جسيم بعد حرب فيتنام، حين أهمل ما يسمى بالاستخبارات البشرية، وأهمل أيضًا المهارات المتعلقة باستجواب السجناء، وبدلاً من ذلك ركز على ما يسمى استخبارات الحرب الإلكترونية.
وقد تحدث كريستينو في شهادته أيضًا عن نقطة مهمة، وهي أن الجنود الأمريكيين كانوا يجدون صعوبات كبيرة في التعامل مع سجناء جاؤوا من ثقافة مختلفة عنهم تمامًا، ولاسيما أن المترجمين الذين كانوا يقومون بدور الوسيط بينهم لم يكونوا محترفين أو عسكريين، بل كانوا على الأغلب سائقي سيارات وعمالاً استعان بهم الجيش الأمريكي لكونهم يعرفون لغة بعض السجناء.
وقد تم نقل الأسرى بعد استجوابهم في قندهار أو بغرام بأفغانستان، إلى معتقل أشعة اكس (دلتا) فيما بعد بـ "غوانتانامو" لمواصلة (سيناريو) التعذيب والإهانة والإذلال المخالف لكافة القوانين والأعراف الدولية، وخصوصًا اتفاقية (جنيف) الثالثة لحقوق الأسرى لعام 1949م، والتي تجرّم كافة الأفعال المهينة لإنسانية الأسرى ..
لماذا غوانتانامو ؟
"غوانتانامو" هي قاعدة للقوات البحرية الأمريكية، تقع على الساحل الجنوبي الشرقي للجزيرة الكوبية، تبلغ مساحتها (55،116) كلم2 من الأراضي والمياه الكوبية، وقد حصلت الولايات المتحدة على هذه القاعدة كغنيمة حرب انتصرت فيها القوات الأمريكية على القوات الأسبانية التي كانت تستعمر كوبا عام 1898م، حسبما تشير إليه بعض الروايات؛ فيما تشير رواية أخرى إلى أن سلطة أمريكا على "غوانتانامو" تعود إلى عام 1903م، عندما قبلت كوبا التخلّي عنها لجارتها الصديقة آنذاك كبادرة امتنان من الكوبيين على الدعم الذي قدمه لهم الأمريكيون أثناء مقاومتهم للمستعمر الأسباني، وذلك مقابل إيجار سنوي (2000) قطعة ذهبية، تبلغ قيمتها آنذاك (4085) دولارًا أمريكيًا.
وبعد انتصار الثورة الكوبية، وتولي فيدل كاسترو حكم كوبا، طالب الأمريكيين مرارًا باستعادة الجزيرة، ورفض استلام قيمة إيجارها، إلاّ أن الأمريكيين رفضوا طلب كاسترو استنادًا إلى الاتفاقية القديمة، مما جعلها نقطة خلاف رئيسة بين الدولتين.
وقد حرصت الإدارة الأمريكية على أن تجعل "غوانتانامو" مقرًا لاعتقال من وصفتهم بالإرهابيين، لأهداف سياسية أفصح عنها مسؤول رفيع المستوى في البنتاجون، ممن عملوا مع وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد بقوله: جاءت المشورة القانونية بأننا يمكننا فعل مانشاء بهم هناك، فهم سيكونون خارج الصلاحيات القضائية لأي محكمة.
وقد أكّد الرئيس بوش نفسه ذلك الأمر عندما أصدر أمرًا عسكريًا رئاسيًا في نوفمبر 2001م يعلن فيه أنه ستتم محاكمة إرهابي القاعدة من قبل لجان عسكرية خاصة، لا تخضع لأي من القيود المفروضة على المحاكم المدنية؛ كما أكد أنه لن يتم التعامل مع هؤلاء كأسرى حرب بل كمقاتلين خارجين على القانون؛ وبذلك أصبح المعتقلون في "غوانتانامو" مسلوبي الحقوق القانونية، سواء التي يمنحها لهم القانون الأمريكي لأنهم غير محتجزين في سجون تقع في الأراضي الأمريكية أو القانون الدولي، لأن الرئيس الأمريكي لم يعتبرهم أسرى حرب، تسري عليهم اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م، والتي تنص في مادتها 17 على حقوق أسرى الحرب ومعاملتهم.
وقد كان هذ الموقف من الإدارة الأمريكية تجاه المعتقلين مفاجئًا، حتى للأمريكيين أنفسهم لمخالفته للقوانين الأمريكية والدولية؛ ويشير المؤلف إلى أن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول جادل إدارته في هذا الخصوص؛ موضحًا لها مخالفة ذلك لما تسير عليه السياسة الأمريكية، منذ أكثر من قرن من الزمن، كما أنه قد يؤدي إلى تقويض الحماية التي يتمتع بها الجنود الأمريكيون أنفسهم في ظل قانون الحرب، فضلاً عما قد يؤدي إليه من إضعاف الدعم الذي تلقاه أمريكا من الأوروبيين؛ إلاّ أن أيًا من أفراد الإدارة الأمريكية أعار جدال "باول" أهمية، حيث كان صوتًا فرديًا ضد تكتل عزم على انتهاك حقوق الإنسان.
ورغم حرص الإدارة الأمريكية على مخالفة القوانين الأمريكية والدولية بشأن معتقلي غوانتانامو، إلاّ أن ذلك لم يمنع تلك الإدارة من أن تضلل الرأي العام الأمريكي والدولي بشأن ما يحدث في "غوانتانامو" من انتهاكات صريحة ومخالفات واضحة، حيث كان الرئيس الأمريكي يصرّح أمام وسائل الإعلام بالقول: "كمسألة سياسية، فإن القوات المسلحة للولايات المتحدة ستمضي في معاملة الأسرى بشكل إنساني؛ وذلك في مدى يتناسب ويتسق مع الظروف العسكرية، وبأسلوب ينسجم ومبادئ اتفاقية جنيف".
ويختتم المؤلف هذا الجزء من كتابه بالحديث عن الأخطاء الفاحشة التي ارتكبتها الاستخبارات العسكرية الأمريكية بشأن من تم اعتقالهم في أفغانستان، ونقلهم إلى "غوانتانامو"، حيث يشير إلى أن عمليات التحرّي عن المعتقلين، وعمليات استجوابهم من قِبل المحققين الأمريكيين، كانت تفتقر إلى المهارة والدقة والحرفية والموضوعية، نظرًا لأن من قاموا بهذا العمل في أفغانستان كانوا من الخريجين الجدد في مدرسة الاستخبارات العسكرية في ولاية (أريزونا)، ولم تتجاوز فترة تدريبهم 16 أسبوعًا فقط، فضلاً عن اعتمادهم على مترجمين تم التعاقد معهم عن طريق شركات خاصة، وكان أغلبهم ردئ المستوى عديم الخبرة العسكرية. فضلاً عن دافع الكسب المادي، الذي دفع حلف الشمال بقيادة دستم إلى زج آلاف الأبرياء للحصول على المكافأة المالية. ويصل المؤلف مما سبق إلى أن أغلب من تم اعتقالهم ونقلهم إلى "غوانتانامو"؛لم يكونوا إرهابيين كما زعمت الإدارة الأمريكية، وحاولت أن توهم العالم بذلك، بل كانوا أبرياء لم يرتكبوا جرمًا.
أقل الأماكن سوءًا
وفي الجزء الثاني "أقل الأماكن سوءًا" يعرض "ديفيد روز" صورًا تجسد الحياة القاسية التي كان يعيشها سجناء معتقل "غوانتانامو"، حيث يتم انتهاك كل بنود اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب، وكل الأعراف والشرائع التي تمنع انتهاك حقوق الإنسان حتى داخل السجن.
وقد خصص هذا الجزء لوصف معتقل "غوانتانامو" بكل ما فيه من: زنزانات، ومساجين، وحراس، ومراكز صحية، وأطباء، ومسئولين. وقد مكّنته زيارته التي قام بها إلى المعتقل ـ ضمن وفد مكون من 250 صحفيًا في أكتوبر 2003م ـ من دقة الوصف، كما مكنته حرفيته الصحفية من الحصول على ما يحتاج إليه من معلومات عبر حواراته مع العناصر البشرية المتواجدة بالمعتقل باستثناء المعتقلين، الذين كانت هناك تعليمات مشددة على الصحفيين بعدم الاقتراب منهم أو الحوار معهم، ورغم أن زيارة المؤلف للمعتقل قد تمت بعد الانتهاء من الأبنية الدائمة له، وتغيير اسمه إلى معتقل دلتا، إلاّ أنه وضع أمام القارئ صورة للمعتقل عند افتتاحه في يناير 2002م، تحت مسمى معتقل أشعة إكس، واستقباله للأفواج الأولى من المعتقلين، الذين قضوا أربعة أشهر ثقيلة في زنزانات الفولاذ المكشوف قبل نقلهم إلى الزنزانات المعدنية سابقة التجهيز، التي ضمها معتقل دلتا.
كما صور للقارئ معتمدًا على مقالة نشرتها صحيفة ميامي هيرالدز، للصحفية كارول روزنبرغالتي، سمح لها مع بعض زملائها الاطلاع على ما يدور داخل المعتقل عند افتتاحه من أعلى تلة مجاورة له عبر مناظير الرؤية؛ وعلى ما صرح به أحد المعتقلين الباكستانيين المفرج عنهم، ويدعى "محمد صغير" إلى صحيفة الغارديان البريطانية، ما كان يحدث في معتقل أشعة إكس عند افتتاحه، حيث كان الأسرى ينقلون من زنزاناتهم إلى مكان استجوابهم وهم مقيدون بالسلاسل على نقالات حديدية، فإذا عادوا إلى الزنزانات حُرّم عليهم الاستناد إلى جدرانها الفولاذية، أو التحدث مع من بجوارهم من السجناء، كما كان يُحرّم عليهم تغطية أيديهم أثناء النوم، الذي كان يتم تحت كشافات ليلية شديدة الإضاءة. كما مُنعوا من الأذان أو الصلاة داخل الزنزانات، وإلاّ تعرّضوا للضرب وتكميم الأفواه. ولم يكن يسمح لهم بإغلاق باب المرحاض أثناء تواجدهم فيه، إذ إن أيديهم اليمنى تكون مكبلة، ويمسك بها الحارس.. إلى غير ذلك من الممنوعات.
ولم يفت المؤلف أن يصف الحالة النفسية المتردية للحراس المتواجدين بالمعتقل، حيث إن أكثرهم يشعرون بالملل، والوحدة، والقلق على أسرهم بالخارج؛ وبعضهم يشكو من كثرة العمل الذي يصل إلى 8 ساعات يوميًا على مدى خمسة أيام في الأسبوع، كما يشكو سوء الخدمات التي تقدم لهم داخل المعتقل، فعنابر النوم ضيقة، ويتكدس فيها ثمانية أفراد، وأماكن الترفيه منعدمة، والاتصال بينهم وبين أهاليهم ليس ميسورًا لارتفاع ثمن المكالمات، ولوجود كبائن الاتصال في أماكن مكشوفة معرضة للشمس.
ويذكر المؤلف أن الحراس كانوا يسلون أنفسهم على هذا الوضع غير الجيد؛ أنهم في هذا المكان بدافع الشرف و دفاعًا عن الحرية.. وعن علاقاتهم بالمعتقلين، نقل المؤلف عن بعضهم أنهم يتعاطفون معهم كونهم بشرًا، ولأن بعضهم يبدو لطيفًا نوعًا ما، ولكنهم عند التعامل معهم ينطلقون من قناعة: أنهم إرهابيون، وأن هناك سببًا وراء وجودهم هنا.
معلومات استخبارية قيمة بشكل هائل
أما الجزء الثالث من الكتاب فقد جاء بعنوان: "معلومات استخبارية قيمة بشكل هائل"، وأوضح فيه المؤلف أن الحصول على المعلومات الاستخبارية من خلال استجواب السجناء هو المبرر الرئيس لوجود معتقل غوانتانامو، علمًا أنه حتى يونيو 2004، أي بعد سنتين ونصف على إنشاء المعتقل لم تتم محاكمة أي سجين. وينقل المؤلف عن اللواء جيفري ميللر، قائد قوى المهام المشتركة، أنه فخور بما تحقق في غوانتانامو؛ إذ استطاع المحققون كشف الهيكلية القيادية لتنظيم القاعدة، وإذا كان ميللر يسهب في الحديث عن سياسة الجزرة التي اتبعها في السجن للحصول على المعلومات، فإنه أغفل الإشارة إلى سياسة العصا والبطش التي مُورست على السجناء أيضًا، وإلى الانتهاكات التي كان الجنود يمارسونها على السجناء مستغلين وجود المعتقل خارج الأراضي الأمريكيّة، وهو الأمر الذي يحرم المعتقلين من كثير من حقوق الاعتراض على ما يلاقونه من وحشية في التعامل.
وقد أورد المؤلف على لسان رجل الاستخبارات الأمريكي ميلتون بيردين يقوم فيه باستجوابات "غوانتانامو" حيث يقول عنها: كانت تستقي عن طريق الأيديولوجية، أي الحاجة إلى تبرير الاعتقالات بحد ذاتها، أكثر مما تعلمته وكالات الاستخبارات من وسائل فعالة لاستخلاص المعلومات من الأشخاص. وقال المؤلف: لقد زعم ميلر و رامسفيلد أن معتقلي غوانتانامو جميعًا كانوا إرهابيين أو داعمين للإرهاب، وهكذا كانت إحدى مهام المحقق الأساسية: أن يوجد أدلة تبرهن صحة ما زعما.
معاني خليج غوانتانامو
وفي الجزء الرابع يحاول المؤلف إبراز الأثر السلبي لمعتقل "غوانتانامو"، وما ألحقه من أذى بسمعة الولايات المتحدة؛ حيث بات لدى سجناء "غوانتانامو" معاني مختلفة لقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الإنسانية؛ لأنهم رأوا الوجه الآخر لما تدعيه الولايات المتحدة من إرساء لهذه القيم.
لقد شكل "غوانتانامو" مثالاً نموذجيًا لمحكمة الكنغر أو المحكمة المجحفة. وبات السؤال المهم هو: كيف أمكن للإدارة الأمريكية أن تتصور وتنفذ أفعالاً كهذه؟ وكيف تمكنت من أن تدير ظهرها للقيم التي تأسست عليها الأمة الأمريكية؟!
كما يطرح المؤلف في هذا الجزء من كتابه أمرا في غاية الأهمية، وهو ما يتعلق بصورة المسلم التي شوهتها الإدارة الأمريكية عالميًا، وحاولت إقناع الرأي العام بأنه ذلك الدموي الإرهابي المجرم المدمّر للحضارة والمدنية، وهي مشاعر ساهمت فيها أكثر من جهة، وعلى رأسها اليمين الأمريكي المتطرف المدعوم كنسيًّا لإظهار الرئيس بوش في صورة المخلص أو المنقذ، من خلال دعاية القسس له في الكنائس والبرامج التلفزيونية بأنه يقود حربًا يؤيدها الرب، بل إنه نفسه قد نصب رئيسا من قِبل الرب؛ كما يزعم وليم بوكين معاون، وكيل وزير الدفاع لشؤون الاستخبارات، أحد المسيحيين الأصوليين المؤمنين بتفوق المسيحية على الإسلام، وبالطبيعة المقدسة لمهمة أمريكا في الحرب على الإرهاب حيث يذكر المؤلف أن بوكين هذا وقف واعظًا في ولاية وريغون في يونيو 2003م، مرتديًا لباسه العسكري الكامل، وزعم أن الإسلاميين الراديكاليين يكرهون الولايات المتحدة لأننا أمة مسيحية؛ ولأن أساسنا وجذورنا يهودية مسيحية، أما العدو، فهو الشيطان، وأن الإرهابيين قدموا من إمارات الظلام، وأنهم شياطين .
إن "غوانتانامو" يعكس، حسب المؤلف، معارك أخرى تخاض من أجل روح المجتمع الأمريكي وتوجهاته، فمن جهة هناك المبادئ الدستورية والعلمانية للجمهورية الأمريكية، ومن الجهة الأخرى هناك الاستبدادية المسيحية التي يتحرك بوش من خلالها.
خلاصة القول سيظل غوانتانامو وصمة عار في جبين الولايات المتحدة، حتى لو استفادت منه استخباريًا، لأنها بالتأكيد كانت قادرة على الحصول على ما تريد بطريقة أفضل، ولكن ما فعلته في "غوانتانامو" لا يندرج إلا في خانة واحدة، هي تأجيج معركة صدام الحضارات التي بشر بها هنتنجتون.
الإثنين يوليو 27, 2020 10:53 am من طرف الدكتور شديد
» شعيد وابن شهيد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:18 am من طرف الدكتور شديد
» رباعيات في الخاطر
الإثنين يوليو 27, 2020 10:16 am من طرف الدكتور شديد
» احوالك يا بلد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:15 am من طرف الدكتور شديد
» الله ما عارف
الإثنين يوليو 27, 2020 10:04 am من طرف الدكتور شديد
» امسك امسك
الإثنين يوليو 27, 2020 9:54 am من طرف الدكتور شديد
» ادينا ماشين
الإثنين يوليو 27, 2020 9:50 am من طرف الدكتور شديد
» اة منك يا دنيا
الإثنين يوليو 27, 2020 9:48 am من طرف الدكتور شديد
» ماتلومنيش يا صاحبي
الإثنين يوليو 27, 2020 9:38 am من طرف الدكتور شديد