محمد حسنين هيكل يتحدث للأهرام
الحديث الأول
الاتهامات السياسية لمبارك:
العدوان علي روح النظام الجمهوري - تعديل الدستور للسماح بتوريث السلطة - الإهمال الجسيم في قضايا خطيرة مثل مياه النيل والفتنة الطائفية - التعاون مع إسرائيل إلي حد وصفها له بأنه كنز إستراتيجي - تزييف إرادة الشعب في انتخابات واستفتاءات مع استمرار الادعاء بالديمقراطية - انتهاك حقوق الإنسان باتفاقيات أمنية مع أمريكا لتعذيب أشخاص لحسابها - التواطؤ في أعمال سرية لتحقيق غايات سرية ومالية غير مشروعة تضر بسمعة مصر وأمنها القومي
الأستاذ يعيش علي الخبر.. وراءه يذهب باحثا ومنه ينطلق محللا ومفسرا وراصدا, وإليه يعود قارئا لما بين السطور..
( وفي الحديث الأول من أول حوار له بعد فراق مع الأهرام يحدد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لأول مرة قائمة الاتهامات السياسية التي يجب أن يخضع الرئيس السابق مبارك للمحاكمة بسببها وكلها تخرج عن نطاق النيابة العامة.. ويكشف عن أسرار مثيرة حول عملية اغتيال أسامة بن لادن التي عرف الكثير من تفاصيلها وأسرارها, وكان موجودا وقتها في عواصم أوروبية مختلفة.. ويحلل الوضع الراهن للثورة المصرية ويوضح ما أثارته أحاديثه التليفزيونية حولها من جدل فيما يخص بؤرة شرم الشيخ ومحدودية دور مبارك في حرب أكتوبر.
وفي الحلقات القادمة بإذن الله نستكمل مع الأستاذ قراءة المشهدين المصري والعربي.
> غاب الأستاذ عن صفحات الأهرام فهل كانت لديك ملاحظات علي أداء الأهرام قبل انهيار النظام وأثناء الثورة.. كيف كنت تراه ؟!
{{ أظن أنكم توافقون معي علي أنه من الضروري قبل أن أتحدث عن أي شأن عام مع الأهرام بعد فراق, ولاحظوا أنني لم أقل قطيعة, بضع عشرات من السنين, أن أقول وبجد بأن الأهرام كان طوال الوقت بيتي, وكل من فيه أهلي وكنت دائما أشعر بالألفة مع كل شيء فيه من البشر إلي الحجر ومن الورق إلي الماكينات وحتي تلك الأجيال التي لم يسعدني الحظ بأن أتعرف إليها أو أعمل معها.
ملاحظة أخري لابد أن تجيء في أول الكلام, وهي أن صلتي بالصحافة المصرية كلها الآن في إطار الرؤي والتجربة ليس أكثر, فأنا رجل يحاول أن يعرف حدوده وأن يلزمها, فلكل عصر رجاله, ولكل زمن ناسه الأجدر بملاحقة أحداثه, وعرض أفكاره, وليس من اللائق أن يتلكأ أحد علي العصر والزمن, مهما بلغ حسن ظن الناس فيه وتعاطفهم معه, وربما تتذكر يوم أن تركت الأهرام4 فبراير1974 أنني قررت إنزال الستاره بيني وبين الحنين إلي الماضي لأنه قد يؤثر بالعاطفة علي الموقف, وردا علي السؤال أقول: أنا عندي ضعف تجاه الأهرام في كل ظروفه وأحواله, ودائما كنت موضع اتهام بأن هذا غرام اساسي في حياتي, وعندما تقول لي ماذا تغير في الأهرام بعد يناير عن قبله ؟!, أقول لك: الأهرام سيبقي هو الأهرام ولكنني أتمني في يوم من الأيام أن يستعيد روحه, وهذا سوف يحدث عندما يستعيد مهمته الاساسية, فهو جزء من التاريخ المصري.. واستمراره رهن بأداء مهمته, وأداء مهمته رهن باستقلاله, واستقلاله يتمثل في أداء صحيفة تسير وراء الاخبار الصحيحة وتسبق بها, فهي صحيفة إخبارية بالدرجة الأولي, ثم تحلل هذه الأخبار بعمق وفهم وأمانة, ويجيء التعليق والرأي منسوبا لأصحابه ومعزولا عن الخبر في مكانه, والصحافة المصرية عموما فيها ظاهرة غريبة وهي كثرة أعمدة الرأي.. وكثير منها لا يستند إلي قاعدة إخبارية, وأنا لا أؤمن بتعليق أو رأي خارج قاعدة الخبر.. وأقصد هنا أن كل من يريد أن يعلق في مقال لابد أن يكون مستندا علي خبر هو نفسه الذي حصل عليه أو اكتشف تفاصيله, أويطرح رؤية جديدة جدية عنه, أما الموضوعات الانشائية والنميمة فهذه لا تصلح لصحافة جادة.
> عدت مؤخرا من رحلة خارجية سريعة, ببساطة.. كيف يرانا العالم الآن ؟! كيف يفسرون الثورة المصرية ؟ وما الإيجابيات والسلبيات من وجهة نظرهم ؟!
{{ ليلة27 إبريل الماضي كنت ضيفا علي عشاء دعا إليه اللورد ديفيد أوين وزير خارجية بريطانيا الأسبق, وزوجته الليدي ديبي في قاعة الطعام الرئيسية في مجلس اللوردات في ويستمينستر, وتصادف هذا التوقيت مع الزفاف الملكي وكانت هناك شخصيات عالمية كثيرة موجودة علي أطراف هذا الاحتفال, وكانت الأسئلة تنطلق نحوي بسرعة مدفع رشاش ولاحظت وجود حالة من الانبهار بالثورة المصرية, وكل الناس تتكلم علي علم اسمه ميدان التحرير وأجواء أسطورية محيطة به, وهناك إعجاب بشعب تصوروا أنه لا أمل فيه فإذا به يأخذ خطوات بديعة بكل المقاييس, أيضا كانت هناك رغبة في اعتبار ما جري جزءا من ظاهرة تم تعميمها وأنا اعترضت علي ذلك, واهتمام واضح بتطورات الأمور وما يجري.. ثم حالة قلق من الوقوف في المكان وكان هذا واضحا عند الجميع, كانت هناك أسئلة كثيرة عن الشباب والمجلس العسكري والمشير طنطاوي وخطط المستقبل وتكلمت طويلا لكن في كل ما قلته كنت واضحا في أنني لا أعبر سوي عن رأيي الشخصي وتصورات لمراقب مهتم من بعيد.
الثورة المصرية حققت النجاح ولكنها لم تحقق النصر وهناك فارق بين النجاح والنصر
بين ما جري في مصر وتونس وما يجري في ليبيا واليمن وسوريا
أستاذ هيكل.. وأنت لاعب قديم لرياضة الجولف ومتابع لها, هل تري أن العالم العربي فجأة ملعب جولف كبير.. يمتليء بالحفر.. وتحولت الشعوب إلي لاعبين يحاول كل منهم أن يصيب الهدف.. لتستقر كرة الثورة داخل حفرة السلطة, ففي تونس مثلا نجح الشعب في أن يسجل( بيردي) فادخل كرة الثورة في الحفرة من مسافة بعيدة, ومن ضربة واحدة.. وهو يقترب كثيرا من حيث النتيجة مما حدث في مصر.. بينما اختلفت الأمور كثيرا في اليمن وفي ليبيا وأيضا في سوريا.. لكن قبل أن نبدأ في قراءة هذه المباراة أو تحليل ما جري أسأل حضرتك: كيف رأيت ما حدث في مصر ؟!
{{ لا أعرف إذا كان كل القراء يتابعون نموذج لعبة الجولف الذي استعملته في سؤالك, ويبدو لي أنك تعرفها من استعمالك لمفرداتها مثل الضربة والحفرة والكوز الذي تنزل فيه كرة الجولف وتحقق الفوز, دعني أقل بصراحة أن ما جري في تونس ومصر لم يكن ضربة بيردي لسبب مهم.. وهو أن ثورة مصر وتونس لم تدخل في الهدف بضربة واحدة, بلغة الجولف النصر يصبح إيجلإذا دخلت الكرة للهدف بضربة واحدة وبعده البيردي حين يقل عدد الضربات واحدة عن الحد المقرر, وبلغة الجولف أيضا فإن الثورة وصلت بنا إلي مشارف الهدف الإبروش, سواء كنا علي الحشيش الأخضر أو في خندق الرمل علي حرف الهدف, وأمامنا ضربة, أو ربما أكثر, لكي تنزل الكرة في الكوز وتسجل الفوز الحاسم للثورة, نحن فعلا علي الإبروش أي المشارف, وذلك صنعته حالة الثورة, لكن الكرة تنزل في الكوز ويتحقق الفوز عندما تتحقق أهداف الثورة, ولابد أن نفرق هنا بين حالة الثورة, وبين بلوغ هدف الثورة لاكتمال الفوز وتتويجه, بشكل أوضح هناك فارق بين النجاح والفوز.. فالأول هو في الأداء وعملية أن يصبح الهدف في متناول يدك, أما الفوز بمعني النصر فهو تحقيق الهدف فعلا ومؤكدا, وأنا أعتقد أنه في حالة الثورة المصرية فإنها نجحت والكرة وصلت إلي مشارف الهدف بالفعل لكنها لم تصل بعد لمرحلة النصر والتي تعني تحقيق الهدف.. هي وصلت إلي مشارفها, أنت فتحت الأبواب للمستقبل.. لكن السؤال الآن هو: من يملك جسارة الدخول من هذه الأبواب المفتوحة ؟! فأنت بالفعل كنت في الطريق إليها ووصلت إلي قربها لكن التحدي الأكبر في إحراز النصر نهائيا وكاملا, حتي هذه اللحظة بلغت درجة النجاح ووصلت إلي مشارف الفوز وبقي عليك تحقيق الضربات الحاسمة لتحقيق الهدف.
> وما الذي ينقصنا لنصل إلي حالة الفوز ؟!
{{ أشياء كثيرة تنقصنا.. هذا المجتمع لم يتغير بعد, صحيح أنه أزاح كل العقبات وفتح كل الأبواب, واستطاع بشبابه وملايينه أن يصل إلي قريب جدا من هدفه.. لكن بقيت جسارة القدرة التي تتعلق بما كان مختلا من الأوضاع واستدعاك للقيام والنهوض والثورة, لابد أن يتحقق تغييره علي الأرض, بمعني أوضح.. الوصول إلي تحقيق هدف الحرية والديمقراطية وكفاءة الأداء وعدالة التوزيع وسيادة القانون, أي أن تجدد حياتك في كل شيء, وتتسق مع تاريخك وعصرك وزمانك وتحدد أهدافك ومستقبلك وتقرر الوسائل الضرورية لها وتحشد من القوي المعنوية والمادية لتحقيقها, بمعني أن الثورة ليست خروج الشباب وجماهير بالمليون فهذه هي الافتتاحية العظيمة للثورة, وأما هدفها فهو تغيير الواقع علي الأرض اجتماعيا واقتصاديا وفكريا بالدرجة الأولي, وهذه عملية لاتزال تجري في مناخ الثورة, ووهجها, وقوة اندفاعها, نحن فعلا في حالة ثورية, وهذا شيء رائع, لكن الكرة لم تنزل بعد في الكوز, لكي ترفع الأعلام, وتدق الأجراس, وهذا هو التحدي الكبير أمامنا في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ.
> لكن كثيرين يعتقدون أن الحالة الثورية كفيلة بالضرورة وبمقتضي الأحوال أن تؤدي لتحقيق الهدف ما دامت مستمرة بحد أدني من الاتجاه الصحيح ؟!
{{ عند مشارف الهدف وإزاءه, فإننا لابد أن نفرق بين ثلاث علامات: حالة الثورة والتي تمر بمرحلة قلق, ونقصد هنا رفض وإسقاط ما كان بالفعل في وقت الرئيس السابق مبارك, نضج الجماهير والشباب ووعيهم بأن ما هو واقع لا يمكن أن يستمر.. هذه هي حالة الثورة, ثم نصل إلي فعل الثورة وهو خروج الجماهير المذهل وطلب التغيير أي الحدث الذي تحقق في ميدان التحرير وبقية أنحاء مصر من جانب الشباب معززين بكتل الملايين, وهذا أيضا نجحنا فيه, وعندما فتحت الأبواب أصبح كل شيء أمامك متاحا لتتحقق العلامة الثالثة وهي الدخول لتحقيق هدف الثورة وهو التغيير الشامل في كل شيء, وهنا الفوز.. وهو ما يتحقق عندما تجد الثورة في نفسها جسارة دخول أبواب المستقبل وتعيد صياغته من جديد.
> الشأن المصري ربما يحتاج إلي مباراة من ألف شوط حتي نستطيع ان نري الواقع ونتخيل ملامح الغد.. اسمح لنا ان نطل من نافذتك علي ما يجري الآن في نقاط محددة.. بم تصف السقوط المروع للنظام الذي كنا نظنه مرعبا ؟
{{ ببساطة.. النظام ارتكب الخطأ التقليدي لكل من اعتمد علي العنف, عندما تجد البوليس وصل تعداده إلي مليون و240 ألف فرد ووفرت له كل الوسائل التكنولوجية وكانت النتيجة ما رأيت أن القوة المفرطة أصابت النظام السابق بوهم كبير جدا في تأثير قوته علي الأرض, والقوة في كثير من الأحيان يدعوها احساسها بنفسها إلي الاعتماد علي تأثيرها أكثر من اللازم, تتواكل وتتكاسل, والناس أيضا يكون شعورها تجاه هذه القوة مبالغا فيه, وارجع إلي قصة جابرييل جارسيا ماركيز خريف البطريرك ولكي نعرف قيمة ما حدث في تونس, فقد كان الهيلمان موجودا وطاغيا والكل يخشاه.. لكن الناس كسرت حاجز الخوف, كان النظام هناك يشبه النظام المصري, لكنه كان نموذجا معمليا علي نطاق أضيق.. ناس تقدمت وأزاحوا الوحش المغرور بسلطانه.. فتهاوي بسهولة, تماما مثل البطريرك في قصة ماركيز.
بؤرة شرم الشيخ مرة أخري!
> هل مازلت عند رأيك فيما يتعلق ببؤرة شرم الشيخ.. وهل تحركت هذه البؤرة لتدير ثورتها المضادة من أماكن أخري وبأشخاص آخرين.. ومن هم ؟
{{ لم أستعمل كلمة بؤرة هذه, فقد عدت لما قلته خلال لقاء تلفزيوني, ووجدت أنني استعملت كلمة موقع في الإشارة إلي شرم الشيخ4 مرات, واستعملت كلمة مركز مرتين, بينما كلمة بؤرة استخدمتها مرة واحدة, وأنا لم أقصد أنها بؤرة قذرة أو أي شيء من هذا القبيل.. لكنه وصف جغرافي أو طبوغرافي لشكل موقع.
> وقتها فهمت كلمة بؤرة علي أنها تشير لشيء آخر.. وهي كما قلت تتناول اتصالات تتم بينه وبين كبار المسئولين عن الحكومة وقتها, هل تعتقد أن هذا الوصف كان يشير لضغوط ما كان يفرضها الرئيس السابق قبل البدء في محاكمته ؟!
{{ مجرد وجوده في شرم الشيخ في تلك الظروف كان مدعاة لظنون كثيرة, وليس هناك شك ــ مما ظهر فيما بعد ــ أنه كان هناك ظل في هذا الوجود واصل إلي القاهرة, وأريد أن أقول لك مباشرة إنني لا أعتقد أن مبارك مسئول وحده عما وصل إليه حاله, وأحيانا يبدو لي أن شعوب الشرق تفوقت في صنع الطغاة, وربما أنك لا تحب الشعر ولكني من جانبي أحبه وأريد تذكيرك ببيتين من قصيدة لشوقي قال فيهما بالضبط عن هذا الموضوع:
هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو
حتي استهان بكل غير مباح
إن الغرور سقي الرئيس براحه
ماذا احتيالك في صريع الراح
والغريب أن شوقي كان يتحدث عن كمال أتاتورك فكيف لو كان أتيح له أن يري قياصرة الأزمنة العربية المعاصرة ؟ وأنا أعرف أن هناك حيرة فيما يتعلق بالتصرف مع الرئيس السابق ودعني أقل لك مباشرة إنني لا أعرف في تاريخ الأمم التي ثارت علي حكامها, وأسقطت نظمهم بلدا تعامل مع حاكمه كما فعلنا في مصر مع الرئيس السابق حسني مبارك.
ففي كل سوابق التاريخ كان هناك قرار واضح وتصرف لا يحتمل اللبس, وربما أن بعض الظروف ساعدت علي هذا اللبس عندنا, والآن فإن مراجعة سريعة يجب أن تجري, بمنطق يضع الأمور في نصابها.
في كل سوابق التاريخ جرت ثلاثة أنواع من التصرف مع الحاكم السابق:
في حالة ملوك أكبر أسر أوروبا, وحين قامت الثورات, حوكم الملوك في إطار سياسي, وحكم عليهم جميعا, ونفذ الحكم فورا: شارل الأول( ملك إنجلترا) حوكم أمام برلمان كرمويل وهو جالس علي كرسي بجوار منصة رئاسة البرلمان, وحكم عليه, وخرج من وستمنستر إلي منصة الجلاد الذي قطع رأسه بالبلطة, ولويس السادس عشر بعد الثورة الفرنسية حوكم أمام الجمعية الوطنية, وحكم عليه, وخرج من المجلس إلي ميدان الكونكورد ووقتها كان اسمه ميدان الثورة, وهوت المقصلة مع رقبته, ونيكولاس الثاني في روسيا حوكم أمام مجلس ثورة عسكري, وأقصي بعيدا, ثم نفذ فيه حكم الإعدام, وأخفي رفاته.
وهؤلاء هم ملوك من أسر أوروبا: أسرة ستيوارت وأســـرة البوربون وأسرة رومانوف.
هناك حالات جري فيها الإعدام أو السجن الداخلي كقرار ثوري.
وهناك بلدان آثرت أن لا تعدم ولا تحاكم, وأن تكتفي بالنفي إلي خارج البلاد, ومن ذلك ما حدث في بعض ملكيات جنوب أوروبا في اليونان, وإيطاليا, وأسبانيا, أيام ألفونسو الثالث عشر, بل وحدث كذلك في مصر مع الملك فاروق.
لكننا في مصر وبعد ثورة25 يناير تصرفنا علي نحو لا هو تاريخي, ولا هو سياسي, ثوريا كان أو غير ثوري.
>وكيف تري ما حدث في حالة مصر وما تفسيره؟
{{ في البداية قصد الرئيس السابق إلي شرم الشيخ حيث كان يعيش من قبل, في نفس مقر حضور سلطته, في نفس البيت, في نفس الموقع, بنفس المراسم, وحين تبين أن الرجل هناك يتحرك ويتصل ويخرج, ويلقي بظله علي ما يجري في القاهرة, لم يلتفت أحد. ثم قيل إن الرجل يسافر إلي تبوك ويعود إلي شرم الشيخ, قيل سافر, وقيل لم يسافر, وطال الجدل والقلق أحيانا, ثم وقع الحسم بأنه تحت الإقامة الجبرية.
وفجأة إذا بالرجل يوجه بيانا بصوته إلي الأمة, وهو لم يوقع ورقة رسمية تفيد تنازله عن الرئاسة, وجري تشديد القيود عليه, وقبض علي ابنيه, وزاد مرضه, وأدخل إلي المستشفي حيث تحقق النيابة- كما نسمع معه.
جرائم مبارك لا يمكن أن تحققها النيابة!
يضيف الأستاذ هيكل أن التهم الموجهة إلي الرجل والتي استدعت الثورة عليه وعلي نظامه لم تكن في أخطرها, مما يمكن أن تحقق فيه النيابة, كما لو كان عملية سرقة أو اختلاس أو جريمة نصب أو قتل فالجزء الأهم فيه سياسي.
العدوان علي روح النظام الجمهوري, والبقاء في الرئاسة ثلاثين سنة, وتعديل الدستور للسماح بتوريث السلطة.
التصرف في موارد البلد وثرواته, كما لو كانت ملكا شخصيا.
الإهمال الجسيم في قضايا لا تحتمل الإهمال, مثل قضية مياه النيل والفتنة الطائفية.
التعاون مع إسرائيل بما جعل أحد كبار وزرائها من أصدقائه يصفه بأنه كنز استراتيجي لها.
الأمر بتزييف إرادة الشعب في انتخابات بعد انتخابات, واستفتاءات بعد استفتاءات, مع استمرار الادعاء بالديمقراطية.
انتهاك حقوق الإنسان إلي درجة أن البلد أصبح باتفاقيات أمنية خاصة مع الولايات المتحدة مركز تعذيب لحسابها ضد من لا تسمح القوانين الأمريكية بسؤالهم, تحت نفس الظروف علي أراضيها.
التواطؤ في أعمال سرية لتحقيق غايات سياسية ومالية غير مشروعة, تضر بسمعة مصر وأمنها القومي, ومكانتها وسط أمتها.
ذلك كله وغيره ليس مما تقدر عليه النيابة بقوانين سارية, فقد وضعت كلها أو رسمت في عهده وتحت سلطته, ومقصدها أن تحقق ما يريده, وتلك كلها تهم سياسية, وليست تهم قانون, والتصرف حيالها لابد أن يكون سياسيا.
محاكمة شعبية ثورية.
حكم بغير انتظار, دون حاجة إلي انتقام المشانق أو المقاصل, وإنما مكان آخر يعالج فيه أو يعيش فيه, أو خروج بشروط مقبولة أولها إستعادة الأموال
ولابد أن أعترف أنني لا أتصور أن تكون محاكمةمبارك علي أساس هل كان سعر بيع الغاز لإسرائيل بالسعر العالمي أو أقل؟!!
فقد حدث فعلا أن أحد كبار المحامين المحترمين قدم شكوي في هذا الموضوع, وجري حفظه في أيام سابقة!!
ولا أتصور محاكمة علي موضوع التصرف في الأراضي, إذا كان تصرفه فيها قد جري وفق قانون, حتي وإن جري تمريره بسرعة البرق في وعاء سلق القوانين بعد سلخ روح القوانين.
ولدي الكثيرين شعور قد لا يستطيع البعض تفسيره بسهولة من أن الرجل يحاسب علي غير الأساس الذي يجب أن يحاسب عليه, ويكون التعويض التلقائي عن ذلك بإساءة التصرف معه, والحديث إليه بفظاظة, ثم ينقل لنا أنه أغمي عليه في أثناء التحقيق معه, وأنه كرر القول أن الله كبير.
في بعض اللحظات, وأنا رجل عرفت وتابعت وعارضت سياساته في وقتها, لم أتمالك نفسي من التعاطف مع مبارك كإنسان وكأب, وكزوج.
والثورة التي أسقطت نظاممبارك لم تجر ضد إنسان, وإنما جرت ضد سياسي جري في عهده كل ما جري, وكلها تصرفات سياسية, وكلها ليست مما يعالج بالإجراءات واللوائح ونصوص البند كذا, من الفقرة كذا, من القانون رقم كذا, لسنة كذا...
ما حدث كله يستوجب الحساب بسلطة السياسة, والحساب عنه لا يمكن أن يكون غير ذلك, أي بسلطة الشعب الذي قام بالثورة, وبمنطق التاريخ الذي عرفه العالم كله, خصوصا تاريخ الثورات, وحتي بمنطق السياسة في التاريخ الإنساني بطوله.
وهناك ثلاث طرق وليس أربع:
إما عقاب مباشر( فات وقته فيما أظن)
أو محاكمة شعبية مفتوحة وإن كان ظني أن ذلك ليس وقتها, بإعتبار أن البلد ليست في حاجة إلي شاغل آخر عن المستقبل, وكذلك فإنه من الممكن تأجيل مثل تلك المحاكمة, وإحالتها إلي عهدة البرلمان القادم.
وإما خروج بشروط
> دائما كنت تتكلم بتقدير عن مقام الرئاسة.. حتي وأنت تنتقد سياسات مبارك, فهل أضاع الرئيس السابق هيبة مقام الرئاسة ؟!
{{ عندما تختار شخصا لهذا المنصب.. فالاختيار هو لرئيس في مقام الرئاسة, وهنا إما أن يتصرف الرئيس خطأ فتعزله, إما بحق الثورة أو بحق القانون, فالخلل ليس في مقام الرئاسة هو دائمامحفوظ أو كذلك ينبغي والمخطئ يسئ إلي نفسه, وينبغي أن يعاقب المخطيء وفقا لقاعدة وقانون يراعي الأمور التي تحدثنا فيها بالفعل.
دور مبارك المحدود في حرب اكتوبر
> بمناسبة الحديث عن مبارك.. لماذا اخترت هذا التوقيت تحديدا لتفجر قنبلة محدودية دور مبارك خلال حرب أكتوبر ؟!
{{ أن يخطئ الناس فهذا محتمل, لأن تقدير المواقف وحسابها إنساني, تؤكده النتائج أو تنفيه, وأما الكذب فهو تعمد مقصود يخفي شيئا وراءه يراد حجبه, وهذه درجة من درجات التعمد تختلف عن الخطأ, وبالقياس علي حرب أكتوبر, فإنني وقد كنت شاهدا قريبا مشاركا في العمل السياسي الذي مهد لها ورافقها فإن وقوع الثغرة كان خطأ في التقدير شديد الإزعاج, لكن حقيقته ظهرت.. لكن الحديث عن الضربة الجوية وتصويرها علي النحو الذي صورت به كان كذبا صريحا له قصد مقصود, وهو تأسيس شرعية نظام بأكمله علي واقعة واحدة, خرجت بها تماما عن إطارها الصحيح.
دعونا نتفق أولا علي الحقائق الأولية في هذه القضية التي أعتقد أنه لابد من طرحها بأكبر قدر ممكن من الموضوعية, وسوف أعرض ليس رأيي ولكن رؤيتي, لأنني ببساطة أستطيع أن أقول إنني كنت هناك علي الأقل شاهدا ومتابعا
أولا: أن الأداء العسكري للقوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر كان من أول يوم إلي آخر يوم أداء مشرفا بأي معيار, ولقد كان هناك دور متميز في التخطيط والإعداد لابد من الاعتراف به لعدد من الضباط الكبار: الفريق محمد فوزي منذ بدأت العودة إلي الميدان بعد كارثة1967, وكذلك لـ عبد المنعم رياض وهو راسم الخط العريض لعملية جرانيت(1) التي نفذت في6 أكتوبر1973, وإن أطلق عليها اسم مختلف, وقد كان في العمليات دور متميز لكافة الأسلحة, خصوصا الدفاع الجوي والمهندسين علي جسور العبور, والمدفعية, ثم إن بقية الأسلحة جميعا قامت بأدوارها بكفاءة, بما فيها بالطبع سلاح الطيران وقائده في ذلك الوقت حسني مبارك.
ثانيا: إن الخطة الأصلية للعمليات تضمنت ضربة للطيران تقوم بها مجموعة سرب أو سرب ونصف, أي ما بين12 إلي18 طائرة.
والسبب واضح, وهو أن مدي الطيران المصري وقتها لم يكن يسمح بعمل مؤثر خارج جزيرة سيناء, أي أن أي عمل جوي ضد إسرائيل في تلك المرحلة كان حتما أن يقتصر علي قوات العدو في خط بارليف, ومنطقة المضايق وراءه, إلي جانب هدفين اثنين مؤثرين أحدهما مركز اتصالات أم خشيب, والثاني مطار المليز, والملخص أن هذه أهداف يكفيها من ناحية المدي, أو من ناحية القيمة, عدد الطائرات المخصص لها في الخطة الأصلية.
وهذا وضع يختلف كثيرا عن ضربة إسرائيل سنة1967, فقد طالت قواتها كل الجمهورية, ووصل مداها غربا وشرقا وجنوبا, بحيث وصل إلي غالبية مواقع تمركز السلاح الجوي المصري, وهو هدف الضربة الجوية الإسرائيلية في ذلك الوقت, وليس هناك من يستطيع أن يقول أو يدعي, إن مدي العمل الجوي المصري سنة1973 تجاوز حدود سيناء, رغم أن سلاح الجو المصري دخل فوق إسرائيل قبل معركة يونية1967, وقام بالفعل باستطلاع داخل إسرائيل, واستطاع أن يحلق بيقين فوق مفاعل ديمونة في النقب, لكنه في سنة1973 كانت الأوضاع علي الأرض مختلفة.
ثالثا: أن خروج قرابة140 طائرة بعد يوم6 أكتوبر1973 بدلا من12 أو18 كما كان مقدرا في الخطة الأصلية كان فكرة طرحها الرئيس السادات كمظاهرة بقصد التأثير النفسي, وقد احتدم حولها نقاش طويل مع معظم قادة حرب أكتوبر, وضمنهم المشير أحمد إسماعيل علي القائد العام للقوات المصرية في تلك الحرب, وقد شرحت فيما قلته من قبل في الحديث التليفزيوني الذي أثرت فيه هذا الموضوع أنني حضرت مناقشة حول هذا الموضوع بين الرجلين في استراحة برج العرب قبل الحرب بشهر ونصف الشهر, وكانت هناك أيضا السيدة جيهان السادات قرينة الرئيس السادات, كان ملخص رأي أحمد إسماعيل كما عرض:
أن الأهداف الحقيقية الموجودة أمام القوات لا تقتضي كل هذا الخروج الجوي الواسع.
أن الاستعداد في مطارات الجمهورية المختلفة لهذا الخروج الواسع سوف يتم رصده من جانب إسرائيل, لأن الاستعداد له لابد أن يبدأ قبلها بأربع وعشرين ساعة علي أقل تقدير, وهنا قد تتحرك إسرائيل بضربة استباقية.
أن الأوضاع علي الجبهة مع تحركات المناورة تحرير رقم23, وقد رصدتها إسرائيل, يمكن أن تتحول إلي فعل مباشر ومفاجئ, في ظرف ساعات محدودة, وهنا تتوافر لقواته عنصر المفاجأة الكاملة, خصوصا وأن حشد المدافع علي الجبهة, وقد وصل إلي ثلاثة آلاف مدفع يمكن أن تبدأ المفاجأة بقصف مركز لمدة ربع ساعة, تفتح الثغرات في خط بارليف ووراءه.
وكان رأي الرئيس السادات:
أنه يريد أن يرد معنويا علي ضربة إسرائيل سنة.1967
ثم إنه يريد أن يسترد الطيارون ثقتهم في أنفسهم بأن تكون بداية الحرب منهم.
ثم إنه يتصور أن انطلاق موجة هجوم جوي علي هذا النحو الكثيف سوف يشجع القوات المحتشدة والجاهزة للعبور علي الضفة الغربية للقناة.
وكانت السيدة جيهان ولها أن تؤيد ما أقول أو تمتنع عن الشهادة, فهذا حقها- وأنا نتابع الحوار بين الرجلين, وفيما يتعلق بي شخصيا, فقد تفهمت بالعقل وجهة نظر أحمد إسماعيل, وفي نفس الوقت فقد تفهمت بالقلب وجهة نظر أنور السادات.. وتقررت الضربة حسب وجهة نظر أنور السادات, لكنه طرأ بعد ذلك شيء لا يحق لأحد أن ينساه أو يتناساه, وذلك هو أن إسرائيل عرفت بخبر الحرب قبلها بأكثر من ست وثلاثين ساعة.
الجاسوس الذي أبلغ إسرائيل بموعد حرب أكتوبر
> هل هذا كلام مؤكد أن إسرائيل دخلت الحرب وهي تعرف موعدها؟
{{ يقينا.. فقد أبلغها جاسوس كان يعمل لحسابها( ولا أتهم الآن أحدا بالذات في هذا الموضوع), لكن الذي حدث فعلا, وما تقول به كل الوثائق السرية والتحقيقات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية جميعا أن إسرائيل أبلغت قبل المعارك بست وثلاثين ساعة, بأن يوم الحرب هو6 أكتوبر, وأنها عملية مشتركة علي جبهتين بين مصر وسوريا في نفس التوقيت, وأنها في الساعة السادسة مساء مع آخر ضوء وكان ذلك صحيحا بالفعل حتي يوم الأربعاء3 أكتوبر1973, ولكن تغير الموعد من السادسة إلي الثانية بعد الظهر بناء علي اتفاق توصل له الفريق أحمد إسماعيل في دمشق, لحل خلاف بين القيادة في الجيشين علي ساعة بدء الهجوم.
كان طلب القيادة المصرية أن يبدأ الهجوم مع آخر ضوء( في المساء) لتستعين قوات المهندسين بالظلام في بناء الجسور, بعيدا عن دقة تصويب الطيران الإسرائيلي, وكان رأي السوريين أن يكون الهجوم بعد أول ضوء( مع الصباح), لكي تستفيد المدرعات الزاحفة علي مرتفعات الجولان من ضوء الشمس, وبحيث يكون هذا الضوء أمام القوات الإسرائيلية, كما أن ذلك يجعل القوات تكسب نهارا كاملا.
وتقدم الرئيس حافظ الأسد باقتراح وسط هو الساعة الثانية باكرا بعد الظهر, ليعطي للقوات السورية فسحة من شمس النهار, ويعطي للقوات المصرية غطاء الليل الذي تريده في أسرع فرصة بعد قصف المدفعية, وقد فكرت إسرائيل بعد أن علمت بالسر: موعد الهجوم وأنه علي جبهتين وأن البداية بالطيران في ضربة إجهاضية, لكنها غيرت رأيها, فقد قدرت تؤيدها نصيحة أمريكية أنها تستطيع تحمل ضربة أولي ثم ترد عليها, بدلا من أن تبدأ هي بالهجوم, وتفقد موقفها السياسي كله, لأنه سوف يبدو للعالم كله عدوان حرب بعد عدوان احتلال.
ومن الطبيعي لأي عقل أن إسرائيل وقد اختارت أن تترك الضربة الأولي للقوات المصرية, سارعت إلي تقليل خسائرها بإجراءات وقائية, أولها سحب سرب الطائرات الذي كان يتمركز في مطار المليز المستهدف مصريا, وكذلك إخلاء مركز اتصالات أم خشيب من أي معدات لها قيمة فيه, إلي جانب لجوء لواء المدرعات الذي كان يرابط في المضايق وراء خط بارليف إلي مواقع دفاعية ملائمة, وهنا فإن قيام قوات الصاعقة المصرية بقيادة الشهيد إبراهيم الرفاعي بتخريب مواسير النابالم التي كان مقررا في الخطة الإسرائيلية فتحها إلي قناة السويس لتحويلها إلي جدار من النار كانت حاسمة في تأمين العبور حتي بعد أن عرفت إسرائيل بسر الهجوم, وكذلك وقعت مفاجأة اقتحام تحصينات خط بارليف, وكانت شديدة التنظيم والكفاءة, ومعني ذلك في النهاية, وبالنسبة لـ الضربة الجوية الأولي, فإن الهجوم المقرر علي أهداف في سيناء, لم يجد في هذه الأهداف ما كان مأمولا فيه, وفي الواقع فقد تحولت هذه الضربة إلي مظاهرة جوية نفسية, لها قيمة معنوية علي القوات المستعدة للعبور, وهذه حدودها, وليس في ذلك تقليل من أهمية هذه الضربة من ناحية التخطيط والتنفيذ, وليس هناك تقليل من دور مبارك كقائد للطيران في أثناء حرب أكتوبر, لكن هذه قضية, واختزال حرب أكتوبر كلها في هذه الضربة, والتأسيس عليها لشرعية نظام كامل علي أساسها قضية أخري مختلفة!! وهنا كان موضع اعتراضي علي شرعية الضربة الجوية, فهي عمل عسكري له هدف نفسي, وذلك حق ومشروع, ولكن أن تخرج العملية عن حدودها, فتلك ضلالة, استعمل فيها الحق خارج حدوده وبعيدا عن نطاقه, وصميم المشكلة عندنا أن بعضنا لا يبحث ولا يدقق, ويصدر الأحكام مطلقة علي الأساس الخطابي, أو الانطباعات السطحية, ثم يقول قائل أن هيكل يريد تصفية حسابات شخصية, ولا أعرف أية حسابات أصفيها؟! ولا مع من؟! وما الداعي إليه؟!.
> ربما بسبب معارضتك للرئيس السادات في سياساته بعد حرب أكتوبر, كما إن معارضتك للرئيس السابق مبارك بدأت بعد سنة واحدة من نظامه السابق ؟!
{{ صحيح.. لكن معارضتي لم تكن شخصية, ولا هي حساب مطلوب تصفيته, لكنها محاولة صحفي يؤدي واجبه, وقد أتاحت له الظروف أن يري صورة ما جري, ويطلع علي جانب من تفاصيل ما يجري, وكتابته وقوله علي مسئوليته أمام قرائه أو سامعيه, أضيف أيضا أن أمور هذا البلد لا يمكن أن تستقيم إلا بظهور كل الحقيقة في حروب مصر, وفي سلامها, وفي الارتباطات والالتزامات الدولية التي وقعت بالتحديد بعد أكتوبر.1973
أسرار إغتيال بن لادن
> هل ما يجري في العالم هذه الأيام بعيدا عن مشهد الرئيس الامريكي باراك اوباما وهو يعلن عن نجاحه في القضاء علي أسامة بن لادن كيف قرأت الخبر؟.. وما اكثر ما لفت انتباهك بين السطور؟ هل يكون اغتيال بن لادن هو القشة التي يتعلق بها اوباما في الانتخابات القادمة.. أم يجوز ان يكون القشة التي تقسم ظهره إذا قررت القاعــدة الانتقام ؟
{{ موضوع قتل أسامة بن لادن موضوع مهم, وهو يستحق التدقيق فيه بأكثر من أنه مجرد عملية تليفزيونية علي طريقة مغامرات رامبو وعضلاته الفولاذية, هي موضوع يستحق أن يدرس بعناية, وأن تتابع آثاره وتداعياته, لأنها مهمة, وبادئ ذي بدء.. أريد أن أحدد أنني لست متعاطفا مع الرجل, ولا قابلا من الأساس لفكره, ولا مقتنعا بسلامة مواقفه, لكن قصة الرجل في الحقيقة هي مأساة أمة, جرت خديعتها, وجري سحبها بعيدا عن مقاصدها, وجري استعمالها في حروب الآخرين, ثم جري استخدامها في التشهير بدينها, ثم وقع قتلها بدم بارد بواسطة هؤلاء الذي خدعوها واستعملوها واستغلوها, وقبل أن أعرض رأيي في قتل بن لادن فقد تصادف أنني كنت في لندن وباريس في أعقاب اغتياله, وسمعت الكثير من التفاصيل مما أظنه معلومات صحيحة, وهذا قصاري ما يسأل عنه الصحفي, فالصحفي الذي يستقصي عليه أن يعرض ما هو صحيح, بمعني ما سمع وما رأي وما وثق فيه من ثقته في مصادره, لكن الحقيقة الكاملة موضوع آخر يملكه التاريخ علي المدي الطويل.
إنني أسمح لنفسي أولا أن أقول أن الولايات المتحدة قتلت رجلا كانت تعرف أنه علي حافة الموت, من فشل في الكلي, وقد بدأت إصابته بمشكلة حصاوي ملأت إحداهما, وأجريت له عملية جراحية في مستشفي سعودي أزالت واستأصلت واحدة منها, وكان ذلك في سنوات سابقة عندما كان مازال مواطنا سعوديا مرضيا عنه, مقاولا من أسرة مقاولين تعمل بنجاح في المملكة العربية السعودية, وفيما حولها من البلدان, بعيدا وقريبا, وكان لهذه الأسرة نشاط مقاولات في أفغانستان, وعندما بدأت معركة ما يسمي بالجهاد الإسلامي ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان, ودخلت السعودية بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية لتمويل وتسليح ما سمي وقتها بـ المجاهدين ضد الإلحاد الشيوعي, وتبعتها بلدان عربية أخري وكانت المخابرات المركزية الأمريكية, والمخابرات السعودية تشرفان معا علي عملية الجهاد الإسلامي ضد الإلحاد الشيوعي, ودخل بن لادن إلي الصورة من ناحية أن المخابرات السعودية طلبت إليه باعتباره مقاولا أن يكون غطاء لدفع الأموال لمعركة ما سمي بـ الجهاد الإسلامي, وتتلمذ علي يد الشيخ عبدالله عزام وأصبح مقره في بيشاور عاصمة الإقليم الشمالي الغربي من باكستان, وجري تجنيد آلاف من خيرة شباب العرب والمسلمين تحت شعار هذا الـ الجهاد الإسلامي, وحين خرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان, انسحبت المخابرات المركزية الأمريكية من عملية الجهاد الإسلامي, وأرادت المخابرات السعودية أن تنسحب, لكن بن لادن ومعه كثيرون من جماعته, وقد أحسوا بالخديعة بعد اقتناعهم بفكرة الجهاد الإسلامي, راحوا للقتال ضد الشرك هذه المرة, وليس ضد الإلحاد, وحولوا أسلحتهم ربما بالانتقام أو بالاقتناع, إلي القوات الأمريكية التي غزت أفغانستان عسكريا, ردا علي تمركز تنظيم القاعدة في أفغانستان, متحالفا مع حكومة طالبان, وكانت القاعدة في التقدير الأمريكي هي المسئول الأول عن كارثة11 سبتمبر2001, بكل ما حدث من دخول طائرتين في برجي التجارة في نيويورك, وثلاث طائرات آخري فوق أهداف أخري في عملية من أغرب العمليات الإرهابية في التاريخ الحديث( وتلك قصة مازالت موضع جدل شديد, وأساطير وحكايات بلا نهاية).
حدث بعد ذلك أن أسامة بن لادن أصيب بالتهاب في كليته الثانية, وعندما جرت مطاردته وهربه من جبال تورا بورا كان قد بدأ يعاني من أعراض التهاب كلوي جديد يؤدي إلي فشل كلوي, وتحمل الرجل آلامه, حتي تمكن من الوصول إلي مكان آمن بعيدا عن تورا بورا, وقد رآه أطباء عسكريون من المخابرات الباكستانيةI.S.I, ورأوا أن الفشل الكلوي وقع بالفعل, وقرروا حاجته إلي غسيل كلويDialysis بانتظام, وإلا أودي المرض بحياته, وسنة2004 بدأ البحث جديا عن ملجأ مأمون له, بعيدا عن مواقع القاعدة في الجبال, وفي الحقيقة فإن تنظيم القاعدة كان قد تبعثر, وفقد عموده الفقري, وأصبح بسبب الحرب ضد الإرهاب عنوانا للتخويف أكثر من تهديد جدي, كما أن عناصر متعددة في بلدان كثيرة وجدت اسم القاعدة علامة شهيرة تنسب نفسها إليه, وبينما كان زعيم القاعدة يعاني من مرضه, كان تنظيم القاعدة قد تحول إلي اسم شهرة في حرب نفسية, أذيعت فيها الأشرطة المسجلة علي الفضائيات بأكثر مما جرت فيها عمليات جهادية أو انتحارية أو إرهابية, فكل له الحق أن يسمي أعماله كيفما شاء!! وفي سنة2004 أيضا بدأ بحث بن لادن في باكستان عن مأوي له, وكان الكثير من ذلك بمعرفة ومساعدة عناصر من المخابرات الباكستانية(I.S.I), راحوا معه يبحثون عن مقر مأمون بعيد, يمكن علاجه فيه, وعلي أي حال فقد أمكن العثور علي قطعة أرض في محيط منطقة آبوت آباد, قرب الكلية الحربية الوطنية العليا للجيش الباكستاني, وفي متناول رعاية أحد مستشفياتها, لكن المطاردات الأمريكية فرضت علي الباكستانيين قدرا من الحذر في التعامل مع بن لادن, وإن بقي بعض كبار ضباط المخابرات ملتزمين بالواجب!! تجاه سلامته, وعلي أي حال, فإن الطبيب العسكري الباكستاني الذي كان يعالج بن لادن طلب إعفاءه, وفي ذلك الوقت أوائل2005 راحت الزوجة الثالثة لـ بن لادن, واسمها السيدة نجوي تبحث عن طبيب مسلم, مستعد للإقتناع بالعقيدة, لكي يقيم مع أسامة( بن لادن), ويشرف علي عملية علاجه, واتصلت سرا بالفعل بأحد الأطباء في لبنان, وبواحد في الأردن, وثالث في سوريا, لكنها لم توفق في مهمتها, وكانت حالة زوجها تسوء, وإن بقي متماسكا!! ومع سنة2007, وصلت حالة بن لادن عند حد الخطر, واقتضي العلاج أن يجري له غسيل الكلية مرتين في الأسبوع تحت درجة ما من الرعاية الطبية, حتي وإن كانت بدائية, وبواسطة جهاز منقول لهذا الغرض, جري شراؤه من كاراتشي, ووضع في غرفة مجاورة لغرفة نومه, خصوصا وأن أعراض غسيل الكلي كانت ترهقه, بأكثر مما كانت ترهق غيره من المرضي, لأن حياة الجبال استهلكت عافيته, وكانت أبرز الأعراض حالة من الإرهاق والدوار تعتريه طوال يوم غسيل كليته, يلتزم بها فراشه مغمضا عينيه وصامتا
4 أسباب دفعت أمريكا لقتل بن لادن قبل أن يموت
ويقول الاستاذ هيكل أنه منذ يونيو سنة2010 استطاعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بوسائلها, وبتعاون مع عناصر باكستانية أن ترصد البيت الذي بني للرجل من سنة2005, في الموقع الذي اختير له وبالمواصفات المطلوبة قرب آبوت آباد, وفي صيف عام2010, تمكنت المخابرات المركزية من العثور علي دور بأكمله في بيت قريب من المنطقة, يستطيع من بعيد رصد ما يجري في بيت بن لادن, ومن وقتها أصبح كل ما يجري داخل البيت, بما فيها غسيل الكلي مرتين كل أسبوع معروفا بدقة, في مركز المراقبة الأمريكي, وفيما سمعت في الأيام القليلة الماضية فإن ما قيل عن اعترافات أعوان بن لادن, المعتقلين في جوانتانامو, دلوا علي مكانه, وعينوا رسولا له, ينقل عنه الأوامر, وينقل إليه المعلومات كان غطاء بولغ فيه مع أن أصله صحيح, وفي الأسابيع الأخيرة كانت حالة بن لادن تتدهور بسرعة, والإحساس العام أن الرجل في أيامه الأخيرة, وأنه علي الأرجح سوف يموت طبيعيا بمرضه خلال ثلاثة أشهر أو أربعة, وهنا لم يعد هناك مجال للانتظار, خصوصا وأن هناك خططا أخري أكبر من شخص بن لادن, وما آل إليه حال القاعدة, وأهم مما وصلت إليه من شتات.
كانت لدي واشنطن عند اتخاذ قرار قتل بن لادن أهداف وخطط أخري:
1- أن شعبية الرئيس أوباما تتدني, وموسم الانتخابات يقترب, والرئيس يريد مدة رئاسة ثانية, وهناك مخاوف من أن يرشح حزبه شخصا غيره للرئاسة, إذا بدت فرص أوباما ضعيفة في نوفمبر سنة2012, وكان هناك لغط كثير عن احتمال ترشيح هيلاري كلينتون للرئاسة, خصوصا وقد زادت شعبيتها في استطلاعات الرأي العام عن شعبية الرئيس, كما أن الحزب الجمهوري بدأ يفكر في مرشح جديد وقادر, وجري التفكير في الجنرال دافيد بترايوس, قائد الحرب في أفغانستان, ليكون مرشح الحزب, وهو جنرال يملك شعبية كبيرة سياسية, كما هي عسكرية.
2- كان الموقف الأمريكي يسوء, وكانت ميزانية الدفاع الأمريكي هي المجال الأكبر لأي تخفيضات ضرورية في الإنفاق, الذي شكل تضخمه عبئا كبيرا علي الاقتصاد الأمريكي, وأبرز بند في التضخم هو تكاليف الحرب في أفغانستان, أكثر من تريليون دولار وأصبح اختصار تكاليفها مطلوبا لإمكان ضبط وربط اقتصادي, أصبحت ضرورية وعاجلة, ولكن خلق مناسبة ملائمة لانسحاب كامل أو جزئي مؤثر من أفغانستان معضلة تتطلب حلا ذكيا, تمهيدا لانسحاب في الصيف, يجعل تخفيض اعتمادات الحرب مقبولا في الكونجرس, وكذلك لدي الرأي العام, وكانت تلك معضلة خصوصا إذا اقترن ذلك بعملية انسحاب من العراق, تختصر القوات الموجودة فيه( لحماية مصالح النفط وامتيازاته) من تسعين ألف جندي إلي ثلاثين ألفا فقط.
3- وإذا كانت هناك ضرورة انتخابية ملحة للرئيس أوباما, وشروط شعبية لابد من توافرها, واختصار في نفقات الحرب لا مناص منه إذن فإن عملية قتل بن لادن فورا قد تلبي كل هذه المطالب, ترفع شعبية الرئيس, وقد رفعتها فعلا من نسبة44% إلي56%, وتسمح بانسحاب كلي أو جزئي من أفغانستان له غطاء نسبي يكفي وزيادة.
4- وهكذا صدر القرار بقتل بارد لرجل يموت بالفعل, لكن قتله في هذه اللحظة بالذات بدا مطلوبا عاجلا, قبل أن يسبق الموت إليه, وحتي يحقق القتل أهدافه المرجوة, وهكذا جرت عملية الهجوم علي البيت الذي يعيش فيه بن لادن, تحت ظروف بائسة.
> هل لديك تفاصيل أكثر عن عملية الاغتيال ذاتها ؟!
كان الرجل ليلتها مرهقا بمرضه, وكان نائما في فراشه, ووصلت القوة المهاجمة إلي حيث يرقد بعد ثلاث عشرة دقيقة من نزول أول قوات بالهليوكوبتر, والرجل ليس منتبها, ومعه زوجته الرابعة التي تعيش معه, السيدة أمل السادة وهي يمنية, وحين هم هو في فراشه, وقد أحس أخيرا بضجة ما يجري حوله, عاجلته طلقات من نوع الدم الدم المعروف بـHollowpoint, وميزة هذه الطلقات أنها لا تسبب قوة ارتداد في السلاح الذي يطلقها, فجميعها تنفذ إلي هدفها, وتنفجر داخله, وتدمر بالكامل ما حولها, وهكذا فإن رأس الرجل تحول إلي شظايا وتناثرت خلايا مخه, مخضبة بالدم وهو يهم من فراشه, وقبل أن يدرك إدراكا كاملا حقيقة ما جري, ثم تم بعدها نقل كل ورقة وأسطوانة مدمجة ومسجلة في البيت مع المهاجمين الذين حملوا معهم بالمرة جثة بن لادن, وهذه هي القصة, وهي قصة مليئة بالعبر والدروس, وهي في كل الأحوال, ومن الأول إلي الآخر سياسات انتخابية وسياسية ومالية, لكنه يمكن بعدها للرئيس أوباما أن يعلن أن الحرب علي الإرهاب حققت انتصارها, والحقيقة أن الإرهاب كان قد عجز عن تحقيق أي هدف له قيمة, ومنذ زمن طويل, لأن الإرهاب فعل عقيم مهما كانت عملياته مثيرة!!
الحديث الأول
الاتهامات السياسية لمبارك:
العدوان علي روح النظام الجمهوري - تعديل الدستور للسماح بتوريث السلطة - الإهمال الجسيم في قضايا خطيرة مثل مياه النيل والفتنة الطائفية - التعاون مع إسرائيل إلي حد وصفها له بأنه كنز إستراتيجي - تزييف إرادة الشعب في انتخابات واستفتاءات مع استمرار الادعاء بالديمقراطية - انتهاك حقوق الإنسان باتفاقيات أمنية مع أمريكا لتعذيب أشخاص لحسابها - التواطؤ في أعمال سرية لتحقيق غايات سرية ومالية غير مشروعة تضر بسمعة مصر وأمنها القومي
الأستاذ يعيش علي الخبر.. وراءه يذهب باحثا ومنه ينطلق محللا ومفسرا وراصدا, وإليه يعود قارئا لما بين السطور..
( وفي الحديث الأول من أول حوار له بعد فراق مع الأهرام يحدد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لأول مرة قائمة الاتهامات السياسية التي يجب أن يخضع الرئيس السابق مبارك للمحاكمة بسببها وكلها تخرج عن نطاق النيابة العامة.. ويكشف عن أسرار مثيرة حول عملية اغتيال أسامة بن لادن التي عرف الكثير من تفاصيلها وأسرارها, وكان موجودا وقتها في عواصم أوروبية مختلفة.. ويحلل الوضع الراهن للثورة المصرية ويوضح ما أثارته أحاديثه التليفزيونية حولها من جدل فيما يخص بؤرة شرم الشيخ ومحدودية دور مبارك في حرب أكتوبر.
وفي الحلقات القادمة بإذن الله نستكمل مع الأستاذ قراءة المشهدين المصري والعربي.
> غاب الأستاذ عن صفحات الأهرام فهل كانت لديك ملاحظات علي أداء الأهرام قبل انهيار النظام وأثناء الثورة.. كيف كنت تراه ؟!
{{ أظن أنكم توافقون معي علي أنه من الضروري قبل أن أتحدث عن أي شأن عام مع الأهرام بعد فراق, ولاحظوا أنني لم أقل قطيعة, بضع عشرات من السنين, أن أقول وبجد بأن الأهرام كان طوال الوقت بيتي, وكل من فيه أهلي وكنت دائما أشعر بالألفة مع كل شيء فيه من البشر إلي الحجر ومن الورق إلي الماكينات وحتي تلك الأجيال التي لم يسعدني الحظ بأن أتعرف إليها أو أعمل معها.
ملاحظة أخري لابد أن تجيء في أول الكلام, وهي أن صلتي بالصحافة المصرية كلها الآن في إطار الرؤي والتجربة ليس أكثر, فأنا رجل يحاول أن يعرف حدوده وأن يلزمها, فلكل عصر رجاله, ولكل زمن ناسه الأجدر بملاحقة أحداثه, وعرض أفكاره, وليس من اللائق أن يتلكأ أحد علي العصر والزمن, مهما بلغ حسن ظن الناس فيه وتعاطفهم معه, وربما تتذكر يوم أن تركت الأهرام4 فبراير1974 أنني قررت إنزال الستاره بيني وبين الحنين إلي الماضي لأنه قد يؤثر بالعاطفة علي الموقف, وردا علي السؤال أقول: أنا عندي ضعف تجاه الأهرام في كل ظروفه وأحواله, ودائما كنت موضع اتهام بأن هذا غرام اساسي في حياتي, وعندما تقول لي ماذا تغير في الأهرام بعد يناير عن قبله ؟!, أقول لك: الأهرام سيبقي هو الأهرام ولكنني أتمني في يوم من الأيام أن يستعيد روحه, وهذا سوف يحدث عندما يستعيد مهمته الاساسية, فهو جزء من التاريخ المصري.. واستمراره رهن بأداء مهمته, وأداء مهمته رهن باستقلاله, واستقلاله يتمثل في أداء صحيفة تسير وراء الاخبار الصحيحة وتسبق بها, فهي صحيفة إخبارية بالدرجة الأولي, ثم تحلل هذه الأخبار بعمق وفهم وأمانة, ويجيء التعليق والرأي منسوبا لأصحابه ومعزولا عن الخبر في مكانه, والصحافة المصرية عموما فيها ظاهرة غريبة وهي كثرة أعمدة الرأي.. وكثير منها لا يستند إلي قاعدة إخبارية, وأنا لا أؤمن بتعليق أو رأي خارج قاعدة الخبر.. وأقصد هنا أن كل من يريد أن يعلق في مقال لابد أن يكون مستندا علي خبر هو نفسه الذي حصل عليه أو اكتشف تفاصيله, أويطرح رؤية جديدة جدية عنه, أما الموضوعات الانشائية والنميمة فهذه لا تصلح لصحافة جادة.
> عدت مؤخرا من رحلة خارجية سريعة, ببساطة.. كيف يرانا العالم الآن ؟! كيف يفسرون الثورة المصرية ؟ وما الإيجابيات والسلبيات من وجهة نظرهم ؟!
{{ ليلة27 إبريل الماضي كنت ضيفا علي عشاء دعا إليه اللورد ديفيد أوين وزير خارجية بريطانيا الأسبق, وزوجته الليدي ديبي في قاعة الطعام الرئيسية في مجلس اللوردات في ويستمينستر, وتصادف هذا التوقيت مع الزفاف الملكي وكانت هناك شخصيات عالمية كثيرة موجودة علي أطراف هذا الاحتفال, وكانت الأسئلة تنطلق نحوي بسرعة مدفع رشاش ولاحظت وجود حالة من الانبهار بالثورة المصرية, وكل الناس تتكلم علي علم اسمه ميدان التحرير وأجواء أسطورية محيطة به, وهناك إعجاب بشعب تصوروا أنه لا أمل فيه فإذا به يأخذ خطوات بديعة بكل المقاييس, أيضا كانت هناك رغبة في اعتبار ما جري جزءا من ظاهرة تم تعميمها وأنا اعترضت علي ذلك, واهتمام واضح بتطورات الأمور وما يجري.. ثم حالة قلق من الوقوف في المكان وكان هذا واضحا عند الجميع, كانت هناك أسئلة كثيرة عن الشباب والمجلس العسكري والمشير طنطاوي وخطط المستقبل وتكلمت طويلا لكن في كل ما قلته كنت واضحا في أنني لا أعبر سوي عن رأيي الشخصي وتصورات لمراقب مهتم من بعيد.
الثورة المصرية حققت النجاح ولكنها لم تحقق النصر وهناك فارق بين النجاح والنصر
بين ما جري في مصر وتونس وما يجري في ليبيا واليمن وسوريا
أستاذ هيكل.. وأنت لاعب قديم لرياضة الجولف ومتابع لها, هل تري أن العالم العربي فجأة ملعب جولف كبير.. يمتليء بالحفر.. وتحولت الشعوب إلي لاعبين يحاول كل منهم أن يصيب الهدف.. لتستقر كرة الثورة داخل حفرة السلطة, ففي تونس مثلا نجح الشعب في أن يسجل( بيردي) فادخل كرة الثورة في الحفرة من مسافة بعيدة, ومن ضربة واحدة.. وهو يقترب كثيرا من حيث النتيجة مما حدث في مصر.. بينما اختلفت الأمور كثيرا في اليمن وفي ليبيا وأيضا في سوريا.. لكن قبل أن نبدأ في قراءة هذه المباراة أو تحليل ما جري أسأل حضرتك: كيف رأيت ما حدث في مصر ؟!
{{ لا أعرف إذا كان كل القراء يتابعون نموذج لعبة الجولف الذي استعملته في سؤالك, ويبدو لي أنك تعرفها من استعمالك لمفرداتها مثل الضربة والحفرة والكوز الذي تنزل فيه كرة الجولف وتحقق الفوز, دعني أقل بصراحة أن ما جري في تونس ومصر لم يكن ضربة بيردي لسبب مهم.. وهو أن ثورة مصر وتونس لم تدخل في الهدف بضربة واحدة, بلغة الجولف النصر يصبح إيجلإذا دخلت الكرة للهدف بضربة واحدة وبعده البيردي حين يقل عدد الضربات واحدة عن الحد المقرر, وبلغة الجولف أيضا فإن الثورة وصلت بنا إلي مشارف الهدف الإبروش, سواء كنا علي الحشيش الأخضر أو في خندق الرمل علي حرف الهدف, وأمامنا ضربة, أو ربما أكثر, لكي تنزل الكرة في الكوز وتسجل الفوز الحاسم للثورة, نحن فعلا علي الإبروش أي المشارف, وذلك صنعته حالة الثورة, لكن الكرة تنزل في الكوز ويتحقق الفوز عندما تتحقق أهداف الثورة, ولابد أن نفرق هنا بين حالة الثورة, وبين بلوغ هدف الثورة لاكتمال الفوز وتتويجه, بشكل أوضح هناك فارق بين النجاح والفوز.. فالأول هو في الأداء وعملية أن يصبح الهدف في متناول يدك, أما الفوز بمعني النصر فهو تحقيق الهدف فعلا ومؤكدا, وأنا أعتقد أنه في حالة الثورة المصرية فإنها نجحت والكرة وصلت إلي مشارف الهدف بالفعل لكنها لم تصل بعد لمرحلة النصر والتي تعني تحقيق الهدف.. هي وصلت إلي مشارفها, أنت فتحت الأبواب للمستقبل.. لكن السؤال الآن هو: من يملك جسارة الدخول من هذه الأبواب المفتوحة ؟! فأنت بالفعل كنت في الطريق إليها ووصلت إلي قربها لكن التحدي الأكبر في إحراز النصر نهائيا وكاملا, حتي هذه اللحظة بلغت درجة النجاح ووصلت إلي مشارف الفوز وبقي عليك تحقيق الضربات الحاسمة لتحقيق الهدف.
> وما الذي ينقصنا لنصل إلي حالة الفوز ؟!
{{ أشياء كثيرة تنقصنا.. هذا المجتمع لم يتغير بعد, صحيح أنه أزاح كل العقبات وفتح كل الأبواب, واستطاع بشبابه وملايينه أن يصل إلي قريب جدا من هدفه.. لكن بقيت جسارة القدرة التي تتعلق بما كان مختلا من الأوضاع واستدعاك للقيام والنهوض والثورة, لابد أن يتحقق تغييره علي الأرض, بمعني أوضح.. الوصول إلي تحقيق هدف الحرية والديمقراطية وكفاءة الأداء وعدالة التوزيع وسيادة القانون, أي أن تجدد حياتك في كل شيء, وتتسق مع تاريخك وعصرك وزمانك وتحدد أهدافك ومستقبلك وتقرر الوسائل الضرورية لها وتحشد من القوي المعنوية والمادية لتحقيقها, بمعني أن الثورة ليست خروج الشباب وجماهير بالمليون فهذه هي الافتتاحية العظيمة للثورة, وأما هدفها فهو تغيير الواقع علي الأرض اجتماعيا واقتصاديا وفكريا بالدرجة الأولي, وهذه عملية لاتزال تجري في مناخ الثورة, ووهجها, وقوة اندفاعها, نحن فعلا في حالة ثورية, وهذا شيء رائع, لكن الكرة لم تنزل بعد في الكوز, لكي ترفع الأعلام, وتدق الأجراس, وهذا هو التحدي الكبير أمامنا في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ.
> لكن كثيرين يعتقدون أن الحالة الثورية كفيلة بالضرورة وبمقتضي الأحوال أن تؤدي لتحقيق الهدف ما دامت مستمرة بحد أدني من الاتجاه الصحيح ؟!
{{ عند مشارف الهدف وإزاءه, فإننا لابد أن نفرق بين ثلاث علامات: حالة الثورة والتي تمر بمرحلة قلق, ونقصد هنا رفض وإسقاط ما كان بالفعل في وقت الرئيس السابق مبارك, نضج الجماهير والشباب ووعيهم بأن ما هو واقع لا يمكن أن يستمر.. هذه هي حالة الثورة, ثم نصل إلي فعل الثورة وهو خروج الجماهير المذهل وطلب التغيير أي الحدث الذي تحقق في ميدان التحرير وبقية أنحاء مصر من جانب الشباب معززين بكتل الملايين, وهذا أيضا نجحنا فيه, وعندما فتحت الأبواب أصبح كل شيء أمامك متاحا لتتحقق العلامة الثالثة وهي الدخول لتحقيق هدف الثورة وهو التغيير الشامل في كل شيء, وهنا الفوز.. وهو ما يتحقق عندما تجد الثورة في نفسها جسارة دخول أبواب المستقبل وتعيد صياغته من جديد.
> الشأن المصري ربما يحتاج إلي مباراة من ألف شوط حتي نستطيع ان نري الواقع ونتخيل ملامح الغد.. اسمح لنا ان نطل من نافذتك علي ما يجري الآن في نقاط محددة.. بم تصف السقوط المروع للنظام الذي كنا نظنه مرعبا ؟
{{ ببساطة.. النظام ارتكب الخطأ التقليدي لكل من اعتمد علي العنف, عندما تجد البوليس وصل تعداده إلي مليون و240 ألف فرد ووفرت له كل الوسائل التكنولوجية وكانت النتيجة ما رأيت أن القوة المفرطة أصابت النظام السابق بوهم كبير جدا في تأثير قوته علي الأرض, والقوة في كثير من الأحيان يدعوها احساسها بنفسها إلي الاعتماد علي تأثيرها أكثر من اللازم, تتواكل وتتكاسل, والناس أيضا يكون شعورها تجاه هذه القوة مبالغا فيه, وارجع إلي قصة جابرييل جارسيا ماركيز خريف البطريرك ولكي نعرف قيمة ما حدث في تونس, فقد كان الهيلمان موجودا وطاغيا والكل يخشاه.. لكن الناس كسرت حاجز الخوف, كان النظام هناك يشبه النظام المصري, لكنه كان نموذجا معمليا علي نطاق أضيق.. ناس تقدمت وأزاحوا الوحش المغرور بسلطانه.. فتهاوي بسهولة, تماما مثل البطريرك في قصة ماركيز.
بؤرة شرم الشيخ مرة أخري!
> هل مازلت عند رأيك فيما يتعلق ببؤرة شرم الشيخ.. وهل تحركت هذه البؤرة لتدير ثورتها المضادة من أماكن أخري وبأشخاص آخرين.. ومن هم ؟
{{ لم أستعمل كلمة بؤرة هذه, فقد عدت لما قلته خلال لقاء تلفزيوني, ووجدت أنني استعملت كلمة موقع في الإشارة إلي شرم الشيخ4 مرات, واستعملت كلمة مركز مرتين, بينما كلمة بؤرة استخدمتها مرة واحدة, وأنا لم أقصد أنها بؤرة قذرة أو أي شيء من هذا القبيل.. لكنه وصف جغرافي أو طبوغرافي لشكل موقع.
> وقتها فهمت كلمة بؤرة علي أنها تشير لشيء آخر.. وهي كما قلت تتناول اتصالات تتم بينه وبين كبار المسئولين عن الحكومة وقتها, هل تعتقد أن هذا الوصف كان يشير لضغوط ما كان يفرضها الرئيس السابق قبل البدء في محاكمته ؟!
{{ مجرد وجوده في شرم الشيخ في تلك الظروف كان مدعاة لظنون كثيرة, وليس هناك شك ــ مما ظهر فيما بعد ــ أنه كان هناك ظل في هذا الوجود واصل إلي القاهرة, وأريد أن أقول لك مباشرة إنني لا أعتقد أن مبارك مسئول وحده عما وصل إليه حاله, وأحيانا يبدو لي أن شعوب الشرق تفوقت في صنع الطغاة, وربما أنك لا تحب الشعر ولكني من جانبي أحبه وأريد تذكيرك ببيتين من قصيدة لشوقي قال فيهما بالضبط عن هذا الموضوع:
هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو
حتي استهان بكل غير مباح
إن الغرور سقي الرئيس براحه
ماذا احتيالك في صريع الراح
والغريب أن شوقي كان يتحدث عن كمال أتاتورك فكيف لو كان أتيح له أن يري قياصرة الأزمنة العربية المعاصرة ؟ وأنا أعرف أن هناك حيرة فيما يتعلق بالتصرف مع الرئيس السابق ودعني أقل لك مباشرة إنني لا أعرف في تاريخ الأمم التي ثارت علي حكامها, وأسقطت نظمهم بلدا تعامل مع حاكمه كما فعلنا في مصر مع الرئيس السابق حسني مبارك.
ففي كل سوابق التاريخ كان هناك قرار واضح وتصرف لا يحتمل اللبس, وربما أن بعض الظروف ساعدت علي هذا اللبس عندنا, والآن فإن مراجعة سريعة يجب أن تجري, بمنطق يضع الأمور في نصابها.
في كل سوابق التاريخ جرت ثلاثة أنواع من التصرف مع الحاكم السابق:
في حالة ملوك أكبر أسر أوروبا, وحين قامت الثورات, حوكم الملوك في إطار سياسي, وحكم عليهم جميعا, ونفذ الحكم فورا: شارل الأول( ملك إنجلترا) حوكم أمام برلمان كرمويل وهو جالس علي كرسي بجوار منصة رئاسة البرلمان, وحكم عليه, وخرج من وستمنستر إلي منصة الجلاد الذي قطع رأسه بالبلطة, ولويس السادس عشر بعد الثورة الفرنسية حوكم أمام الجمعية الوطنية, وحكم عليه, وخرج من المجلس إلي ميدان الكونكورد ووقتها كان اسمه ميدان الثورة, وهوت المقصلة مع رقبته, ونيكولاس الثاني في روسيا حوكم أمام مجلس ثورة عسكري, وأقصي بعيدا, ثم نفذ فيه حكم الإعدام, وأخفي رفاته.
وهؤلاء هم ملوك من أسر أوروبا: أسرة ستيوارت وأســـرة البوربون وأسرة رومانوف.
هناك حالات جري فيها الإعدام أو السجن الداخلي كقرار ثوري.
وهناك بلدان آثرت أن لا تعدم ولا تحاكم, وأن تكتفي بالنفي إلي خارج البلاد, ومن ذلك ما حدث في بعض ملكيات جنوب أوروبا في اليونان, وإيطاليا, وأسبانيا, أيام ألفونسو الثالث عشر, بل وحدث كذلك في مصر مع الملك فاروق.
لكننا في مصر وبعد ثورة25 يناير تصرفنا علي نحو لا هو تاريخي, ولا هو سياسي, ثوريا كان أو غير ثوري.
>وكيف تري ما حدث في حالة مصر وما تفسيره؟
{{ في البداية قصد الرئيس السابق إلي شرم الشيخ حيث كان يعيش من قبل, في نفس مقر حضور سلطته, في نفس البيت, في نفس الموقع, بنفس المراسم, وحين تبين أن الرجل هناك يتحرك ويتصل ويخرج, ويلقي بظله علي ما يجري في القاهرة, لم يلتفت أحد. ثم قيل إن الرجل يسافر إلي تبوك ويعود إلي شرم الشيخ, قيل سافر, وقيل لم يسافر, وطال الجدل والقلق أحيانا, ثم وقع الحسم بأنه تحت الإقامة الجبرية.
وفجأة إذا بالرجل يوجه بيانا بصوته إلي الأمة, وهو لم يوقع ورقة رسمية تفيد تنازله عن الرئاسة, وجري تشديد القيود عليه, وقبض علي ابنيه, وزاد مرضه, وأدخل إلي المستشفي حيث تحقق النيابة- كما نسمع معه.
جرائم مبارك لا يمكن أن تحققها النيابة!
يضيف الأستاذ هيكل أن التهم الموجهة إلي الرجل والتي استدعت الثورة عليه وعلي نظامه لم تكن في أخطرها, مما يمكن أن تحقق فيه النيابة, كما لو كان عملية سرقة أو اختلاس أو جريمة نصب أو قتل فالجزء الأهم فيه سياسي.
العدوان علي روح النظام الجمهوري, والبقاء في الرئاسة ثلاثين سنة, وتعديل الدستور للسماح بتوريث السلطة.
التصرف في موارد البلد وثرواته, كما لو كانت ملكا شخصيا.
الإهمال الجسيم في قضايا لا تحتمل الإهمال, مثل قضية مياه النيل والفتنة الطائفية.
التعاون مع إسرائيل بما جعل أحد كبار وزرائها من أصدقائه يصفه بأنه كنز استراتيجي لها.
الأمر بتزييف إرادة الشعب في انتخابات بعد انتخابات, واستفتاءات بعد استفتاءات, مع استمرار الادعاء بالديمقراطية.
انتهاك حقوق الإنسان إلي درجة أن البلد أصبح باتفاقيات أمنية خاصة مع الولايات المتحدة مركز تعذيب لحسابها ضد من لا تسمح القوانين الأمريكية بسؤالهم, تحت نفس الظروف علي أراضيها.
التواطؤ في أعمال سرية لتحقيق غايات سياسية ومالية غير مشروعة, تضر بسمعة مصر وأمنها القومي, ومكانتها وسط أمتها.
ذلك كله وغيره ليس مما تقدر عليه النيابة بقوانين سارية, فقد وضعت كلها أو رسمت في عهده وتحت سلطته, ومقصدها أن تحقق ما يريده, وتلك كلها تهم سياسية, وليست تهم قانون, والتصرف حيالها لابد أن يكون سياسيا.
محاكمة شعبية ثورية.
حكم بغير انتظار, دون حاجة إلي انتقام المشانق أو المقاصل, وإنما مكان آخر يعالج فيه أو يعيش فيه, أو خروج بشروط مقبولة أولها إستعادة الأموال
ولابد أن أعترف أنني لا أتصور أن تكون محاكمةمبارك علي أساس هل كان سعر بيع الغاز لإسرائيل بالسعر العالمي أو أقل؟!!
فقد حدث فعلا أن أحد كبار المحامين المحترمين قدم شكوي في هذا الموضوع, وجري حفظه في أيام سابقة!!
ولا أتصور محاكمة علي موضوع التصرف في الأراضي, إذا كان تصرفه فيها قد جري وفق قانون, حتي وإن جري تمريره بسرعة البرق في وعاء سلق القوانين بعد سلخ روح القوانين.
ولدي الكثيرين شعور قد لا يستطيع البعض تفسيره بسهولة من أن الرجل يحاسب علي غير الأساس الذي يجب أن يحاسب عليه, ويكون التعويض التلقائي عن ذلك بإساءة التصرف معه, والحديث إليه بفظاظة, ثم ينقل لنا أنه أغمي عليه في أثناء التحقيق معه, وأنه كرر القول أن الله كبير.
في بعض اللحظات, وأنا رجل عرفت وتابعت وعارضت سياساته في وقتها, لم أتمالك نفسي من التعاطف مع مبارك كإنسان وكأب, وكزوج.
والثورة التي أسقطت نظاممبارك لم تجر ضد إنسان, وإنما جرت ضد سياسي جري في عهده كل ما جري, وكلها تصرفات سياسية, وكلها ليست مما يعالج بالإجراءات واللوائح ونصوص البند كذا, من الفقرة كذا, من القانون رقم كذا, لسنة كذا...
ما حدث كله يستوجب الحساب بسلطة السياسة, والحساب عنه لا يمكن أن يكون غير ذلك, أي بسلطة الشعب الذي قام بالثورة, وبمنطق التاريخ الذي عرفه العالم كله, خصوصا تاريخ الثورات, وحتي بمنطق السياسة في التاريخ الإنساني بطوله.
وهناك ثلاث طرق وليس أربع:
إما عقاب مباشر( فات وقته فيما أظن)
أو محاكمة شعبية مفتوحة وإن كان ظني أن ذلك ليس وقتها, بإعتبار أن البلد ليست في حاجة إلي شاغل آخر عن المستقبل, وكذلك فإنه من الممكن تأجيل مثل تلك المحاكمة, وإحالتها إلي عهدة البرلمان القادم.
وإما خروج بشروط
> دائما كنت تتكلم بتقدير عن مقام الرئاسة.. حتي وأنت تنتقد سياسات مبارك, فهل أضاع الرئيس السابق هيبة مقام الرئاسة ؟!
{{ عندما تختار شخصا لهذا المنصب.. فالاختيار هو لرئيس في مقام الرئاسة, وهنا إما أن يتصرف الرئيس خطأ فتعزله, إما بحق الثورة أو بحق القانون, فالخلل ليس في مقام الرئاسة هو دائمامحفوظ أو كذلك ينبغي والمخطئ يسئ إلي نفسه, وينبغي أن يعاقب المخطيء وفقا لقاعدة وقانون يراعي الأمور التي تحدثنا فيها بالفعل.
دور مبارك المحدود في حرب اكتوبر
> بمناسبة الحديث عن مبارك.. لماذا اخترت هذا التوقيت تحديدا لتفجر قنبلة محدودية دور مبارك خلال حرب أكتوبر ؟!
{{ أن يخطئ الناس فهذا محتمل, لأن تقدير المواقف وحسابها إنساني, تؤكده النتائج أو تنفيه, وأما الكذب فهو تعمد مقصود يخفي شيئا وراءه يراد حجبه, وهذه درجة من درجات التعمد تختلف عن الخطأ, وبالقياس علي حرب أكتوبر, فإنني وقد كنت شاهدا قريبا مشاركا في العمل السياسي الذي مهد لها ورافقها فإن وقوع الثغرة كان خطأ في التقدير شديد الإزعاج, لكن حقيقته ظهرت.. لكن الحديث عن الضربة الجوية وتصويرها علي النحو الذي صورت به كان كذبا صريحا له قصد مقصود, وهو تأسيس شرعية نظام بأكمله علي واقعة واحدة, خرجت بها تماما عن إطارها الصحيح.
دعونا نتفق أولا علي الحقائق الأولية في هذه القضية التي أعتقد أنه لابد من طرحها بأكبر قدر ممكن من الموضوعية, وسوف أعرض ليس رأيي ولكن رؤيتي, لأنني ببساطة أستطيع أن أقول إنني كنت هناك علي الأقل شاهدا ومتابعا
أولا: أن الأداء العسكري للقوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر كان من أول يوم إلي آخر يوم أداء مشرفا بأي معيار, ولقد كان هناك دور متميز في التخطيط والإعداد لابد من الاعتراف به لعدد من الضباط الكبار: الفريق محمد فوزي منذ بدأت العودة إلي الميدان بعد كارثة1967, وكذلك لـ عبد المنعم رياض وهو راسم الخط العريض لعملية جرانيت(1) التي نفذت في6 أكتوبر1973, وإن أطلق عليها اسم مختلف, وقد كان في العمليات دور متميز لكافة الأسلحة, خصوصا الدفاع الجوي والمهندسين علي جسور العبور, والمدفعية, ثم إن بقية الأسلحة جميعا قامت بأدوارها بكفاءة, بما فيها بالطبع سلاح الطيران وقائده في ذلك الوقت حسني مبارك.
ثانيا: إن الخطة الأصلية للعمليات تضمنت ضربة للطيران تقوم بها مجموعة سرب أو سرب ونصف, أي ما بين12 إلي18 طائرة.
والسبب واضح, وهو أن مدي الطيران المصري وقتها لم يكن يسمح بعمل مؤثر خارج جزيرة سيناء, أي أن أي عمل جوي ضد إسرائيل في تلك المرحلة كان حتما أن يقتصر علي قوات العدو في خط بارليف, ومنطقة المضايق وراءه, إلي جانب هدفين اثنين مؤثرين أحدهما مركز اتصالات أم خشيب, والثاني مطار المليز, والملخص أن هذه أهداف يكفيها من ناحية المدي, أو من ناحية القيمة, عدد الطائرات المخصص لها في الخطة الأصلية.
وهذا وضع يختلف كثيرا عن ضربة إسرائيل سنة1967, فقد طالت قواتها كل الجمهورية, ووصل مداها غربا وشرقا وجنوبا, بحيث وصل إلي غالبية مواقع تمركز السلاح الجوي المصري, وهو هدف الضربة الجوية الإسرائيلية في ذلك الوقت, وليس هناك من يستطيع أن يقول أو يدعي, إن مدي العمل الجوي المصري سنة1973 تجاوز حدود سيناء, رغم أن سلاح الجو المصري دخل فوق إسرائيل قبل معركة يونية1967, وقام بالفعل باستطلاع داخل إسرائيل, واستطاع أن يحلق بيقين فوق مفاعل ديمونة في النقب, لكنه في سنة1973 كانت الأوضاع علي الأرض مختلفة.
ثالثا: أن خروج قرابة140 طائرة بعد يوم6 أكتوبر1973 بدلا من12 أو18 كما كان مقدرا في الخطة الأصلية كان فكرة طرحها الرئيس السادات كمظاهرة بقصد التأثير النفسي, وقد احتدم حولها نقاش طويل مع معظم قادة حرب أكتوبر, وضمنهم المشير أحمد إسماعيل علي القائد العام للقوات المصرية في تلك الحرب, وقد شرحت فيما قلته من قبل في الحديث التليفزيوني الذي أثرت فيه هذا الموضوع أنني حضرت مناقشة حول هذا الموضوع بين الرجلين في استراحة برج العرب قبل الحرب بشهر ونصف الشهر, وكانت هناك أيضا السيدة جيهان السادات قرينة الرئيس السادات, كان ملخص رأي أحمد إسماعيل كما عرض:
أن الأهداف الحقيقية الموجودة أمام القوات لا تقتضي كل هذا الخروج الجوي الواسع.
أن الاستعداد في مطارات الجمهورية المختلفة لهذا الخروج الواسع سوف يتم رصده من جانب إسرائيل, لأن الاستعداد له لابد أن يبدأ قبلها بأربع وعشرين ساعة علي أقل تقدير, وهنا قد تتحرك إسرائيل بضربة استباقية.
أن الأوضاع علي الجبهة مع تحركات المناورة تحرير رقم23, وقد رصدتها إسرائيل, يمكن أن تتحول إلي فعل مباشر ومفاجئ, في ظرف ساعات محدودة, وهنا تتوافر لقواته عنصر المفاجأة الكاملة, خصوصا وأن حشد المدافع علي الجبهة, وقد وصل إلي ثلاثة آلاف مدفع يمكن أن تبدأ المفاجأة بقصف مركز لمدة ربع ساعة, تفتح الثغرات في خط بارليف ووراءه.
وكان رأي الرئيس السادات:
أنه يريد أن يرد معنويا علي ضربة إسرائيل سنة.1967
ثم إنه يريد أن يسترد الطيارون ثقتهم في أنفسهم بأن تكون بداية الحرب منهم.
ثم إنه يتصور أن انطلاق موجة هجوم جوي علي هذا النحو الكثيف سوف يشجع القوات المحتشدة والجاهزة للعبور علي الضفة الغربية للقناة.
وكانت السيدة جيهان ولها أن تؤيد ما أقول أو تمتنع عن الشهادة, فهذا حقها- وأنا نتابع الحوار بين الرجلين, وفيما يتعلق بي شخصيا, فقد تفهمت بالعقل وجهة نظر أحمد إسماعيل, وفي نفس الوقت فقد تفهمت بالقلب وجهة نظر أنور السادات.. وتقررت الضربة حسب وجهة نظر أنور السادات, لكنه طرأ بعد ذلك شيء لا يحق لأحد أن ينساه أو يتناساه, وذلك هو أن إسرائيل عرفت بخبر الحرب قبلها بأكثر من ست وثلاثين ساعة.
الجاسوس الذي أبلغ إسرائيل بموعد حرب أكتوبر
> هل هذا كلام مؤكد أن إسرائيل دخلت الحرب وهي تعرف موعدها؟
{{ يقينا.. فقد أبلغها جاسوس كان يعمل لحسابها( ولا أتهم الآن أحدا بالذات في هذا الموضوع), لكن الذي حدث فعلا, وما تقول به كل الوثائق السرية والتحقيقات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية جميعا أن إسرائيل أبلغت قبل المعارك بست وثلاثين ساعة, بأن يوم الحرب هو6 أكتوبر, وأنها عملية مشتركة علي جبهتين بين مصر وسوريا في نفس التوقيت, وأنها في الساعة السادسة مساء مع آخر ضوء وكان ذلك صحيحا بالفعل حتي يوم الأربعاء3 أكتوبر1973, ولكن تغير الموعد من السادسة إلي الثانية بعد الظهر بناء علي اتفاق توصل له الفريق أحمد إسماعيل في دمشق, لحل خلاف بين القيادة في الجيشين علي ساعة بدء الهجوم.
كان طلب القيادة المصرية أن يبدأ الهجوم مع آخر ضوء( في المساء) لتستعين قوات المهندسين بالظلام في بناء الجسور, بعيدا عن دقة تصويب الطيران الإسرائيلي, وكان رأي السوريين أن يكون الهجوم بعد أول ضوء( مع الصباح), لكي تستفيد المدرعات الزاحفة علي مرتفعات الجولان من ضوء الشمس, وبحيث يكون هذا الضوء أمام القوات الإسرائيلية, كما أن ذلك يجعل القوات تكسب نهارا كاملا.
وتقدم الرئيس حافظ الأسد باقتراح وسط هو الساعة الثانية باكرا بعد الظهر, ليعطي للقوات السورية فسحة من شمس النهار, ويعطي للقوات المصرية غطاء الليل الذي تريده في أسرع فرصة بعد قصف المدفعية, وقد فكرت إسرائيل بعد أن علمت بالسر: موعد الهجوم وأنه علي جبهتين وأن البداية بالطيران في ضربة إجهاضية, لكنها غيرت رأيها, فقد قدرت تؤيدها نصيحة أمريكية أنها تستطيع تحمل ضربة أولي ثم ترد عليها, بدلا من أن تبدأ هي بالهجوم, وتفقد موقفها السياسي كله, لأنه سوف يبدو للعالم كله عدوان حرب بعد عدوان احتلال.
ومن الطبيعي لأي عقل أن إسرائيل وقد اختارت أن تترك الضربة الأولي للقوات المصرية, سارعت إلي تقليل خسائرها بإجراءات وقائية, أولها سحب سرب الطائرات الذي كان يتمركز في مطار المليز المستهدف مصريا, وكذلك إخلاء مركز اتصالات أم خشيب من أي معدات لها قيمة فيه, إلي جانب لجوء لواء المدرعات الذي كان يرابط في المضايق وراء خط بارليف إلي مواقع دفاعية ملائمة, وهنا فإن قيام قوات الصاعقة المصرية بقيادة الشهيد إبراهيم الرفاعي بتخريب مواسير النابالم التي كان مقررا في الخطة الإسرائيلية فتحها إلي قناة السويس لتحويلها إلي جدار من النار كانت حاسمة في تأمين العبور حتي بعد أن عرفت إسرائيل بسر الهجوم, وكذلك وقعت مفاجأة اقتحام تحصينات خط بارليف, وكانت شديدة التنظيم والكفاءة, ومعني ذلك في النهاية, وبالنسبة لـ الضربة الجوية الأولي, فإن الهجوم المقرر علي أهداف في سيناء, لم يجد في هذه الأهداف ما كان مأمولا فيه, وفي الواقع فقد تحولت هذه الضربة إلي مظاهرة جوية نفسية, لها قيمة معنوية علي القوات المستعدة للعبور, وهذه حدودها, وليس في ذلك تقليل من أهمية هذه الضربة من ناحية التخطيط والتنفيذ, وليس هناك تقليل من دور مبارك كقائد للطيران في أثناء حرب أكتوبر, لكن هذه قضية, واختزال حرب أكتوبر كلها في هذه الضربة, والتأسيس عليها لشرعية نظام كامل علي أساسها قضية أخري مختلفة!! وهنا كان موضع اعتراضي علي شرعية الضربة الجوية, فهي عمل عسكري له هدف نفسي, وذلك حق ومشروع, ولكن أن تخرج العملية عن حدودها, فتلك ضلالة, استعمل فيها الحق خارج حدوده وبعيدا عن نطاقه, وصميم المشكلة عندنا أن بعضنا لا يبحث ولا يدقق, ويصدر الأحكام مطلقة علي الأساس الخطابي, أو الانطباعات السطحية, ثم يقول قائل أن هيكل يريد تصفية حسابات شخصية, ولا أعرف أية حسابات أصفيها؟! ولا مع من؟! وما الداعي إليه؟!.
> ربما بسبب معارضتك للرئيس السادات في سياساته بعد حرب أكتوبر, كما إن معارضتك للرئيس السابق مبارك بدأت بعد سنة واحدة من نظامه السابق ؟!
{{ صحيح.. لكن معارضتي لم تكن شخصية, ولا هي حساب مطلوب تصفيته, لكنها محاولة صحفي يؤدي واجبه, وقد أتاحت له الظروف أن يري صورة ما جري, ويطلع علي جانب من تفاصيل ما يجري, وكتابته وقوله علي مسئوليته أمام قرائه أو سامعيه, أضيف أيضا أن أمور هذا البلد لا يمكن أن تستقيم إلا بظهور كل الحقيقة في حروب مصر, وفي سلامها, وفي الارتباطات والالتزامات الدولية التي وقعت بالتحديد بعد أكتوبر.1973
أسرار إغتيال بن لادن
> هل ما يجري في العالم هذه الأيام بعيدا عن مشهد الرئيس الامريكي باراك اوباما وهو يعلن عن نجاحه في القضاء علي أسامة بن لادن كيف قرأت الخبر؟.. وما اكثر ما لفت انتباهك بين السطور؟ هل يكون اغتيال بن لادن هو القشة التي يتعلق بها اوباما في الانتخابات القادمة.. أم يجوز ان يكون القشة التي تقسم ظهره إذا قررت القاعــدة الانتقام ؟
{{ موضوع قتل أسامة بن لادن موضوع مهم, وهو يستحق التدقيق فيه بأكثر من أنه مجرد عملية تليفزيونية علي طريقة مغامرات رامبو وعضلاته الفولاذية, هي موضوع يستحق أن يدرس بعناية, وأن تتابع آثاره وتداعياته, لأنها مهمة, وبادئ ذي بدء.. أريد أن أحدد أنني لست متعاطفا مع الرجل, ولا قابلا من الأساس لفكره, ولا مقتنعا بسلامة مواقفه, لكن قصة الرجل في الحقيقة هي مأساة أمة, جرت خديعتها, وجري سحبها بعيدا عن مقاصدها, وجري استعمالها في حروب الآخرين, ثم جري استخدامها في التشهير بدينها, ثم وقع قتلها بدم بارد بواسطة هؤلاء الذي خدعوها واستعملوها واستغلوها, وقبل أن أعرض رأيي في قتل بن لادن فقد تصادف أنني كنت في لندن وباريس في أعقاب اغتياله, وسمعت الكثير من التفاصيل مما أظنه معلومات صحيحة, وهذا قصاري ما يسأل عنه الصحفي, فالصحفي الذي يستقصي عليه أن يعرض ما هو صحيح, بمعني ما سمع وما رأي وما وثق فيه من ثقته في مصادره, لكن الحقيقة الكاملة موضوع آخر يملكه التاريخ علي المدي الطويل.
إنني أسمح لنفسي أولا أن أقول أن الولايات المتحدة قتلت رجلا كانت تعرف أنه علي حافة الموت, من فشل في الكلي, وقد بدأت إصابته بمشكلة حصاوي ملأت إحداهما, وأجريت له عملية جراحية في مستشفي سعودي أزالت واستأصلت واحدة منها, وكان ذلك في سنوات سابقة عندما كان مازال مواطنا سعوديا مرضيا عنه, مقاولا من أسرة مقاولين تعمل بنجاح في المملكة العربية السعودية, وفيما حولها من البلدان, بعيدا وقريبا, وكان لهذه الأسرة نشاط مقاولات في أفغانستان, وعندما بدأت معركة ما يسمي بالجهاد الإسلامي ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان, ودخلت السعودية بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية لتمويل وتسليح ما سمي وقتها بـ المجاهدين ضد الإلحاد الشيوعي, وتبعتها بلدان عربية أخري وكانت المخابرات المركزية الأمريكية, والمخابرات السعودية تشرفان معا علي عملية الجهاد الإسلامي ضد الإلحاد الشيوعي, ودخل بن لادن إلي الصورة من ناحية أن المخابرات السعودية طلبت إليه باعتباره مقاولا أن يكون غطاء لدفع الأموال لمعركة ما سمي بـ الجهاد الإسلامي, وتتلمذ علي يد الشيخ عبدالله عزام وأصبح مقره في بيشاور عاصمة الإقليم الشمالي الغربي من باكستان, وجري تجنيد آلاف من خيرة شباب العرب والمسلمين تحت شعار هذا الـ الجهاد الإسلامي, وحين خرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان, انسحبت المخابرات المركزية الأمريكية من عملية الجهاد الإسلامي, وأرادت المخابرات السعودية أن تنسحب, لكن بن لادن ومعه كثيرون من جماعته, وقد أحسوا بالخديعة بعد اقتناعهم بفكرة الجهاد الإسلامي, راحوا للقتال ضد الشرك هذه المرة, وليس ضد الإلحاد, وحولوا أسلحتهم ربما بالانتقام أو بالاقتناع, إلي القوات الأمريكية التي غزت أفغانستان عسكريا, ردا علي تمركز تنظيم القاعدة في أفغانستان, متحالفا مع حكومة طالبان, وكانت القاعدة في التقدير الأمريكي هي المسئول الأول عن كارثة11 سبتمبر2001, بكل ما حدث من دخول طائرتين في برجي التجارة في نيويورك, وثلاث طائرات آخري فوق أهداف أخري في عملية من أغرب العمليات الإرهابية في التاريخ الحديث( وتلك قصة مازالت موضع جدل شديد, وأساطير وحكايات بلا نهاية).
حدث بعد ذلك أن أسامة بن لادن أصيب بالتهاب في كليته الثانية, وعندما جرت مطاردته وهربه من جبال تورا بورا كان قد بدأ يعاني من أعراض التهاب كلوي جديد يؤدي إلي فشل كلوي, وتحمل الرجل آلامه, حتي تمكن من الوصول إلي مكان آمن بعيدا عن تورا بورا, وقد رآه أطباء عسكريون من المخابرات الباكستانيةI.S.I, ورأوا أن الفشل الكلوي وقع بالفعل, وقرروا حاجته إلي غسيل كلويDialysis بانتظام, وإلا أودي المرض بحياته, وسنة2004 بدأ البحث جديا عن ملجأ مأمون له, بعيدا عن مواقع القاعدة في الجبال, وفي الحقيقة فإن تنظيم القاعدة كان قد تبعثر, وفقد عموده الفقري, وأصبح بسبب الحرب ضد الإرهاب عنوانا للتخويف أكثر من تهديد جدي, كما أن عناصر متعددة في بلدان كثيرة وجدت اسم القاعدة علامة شهيرة تنسب نفسها إليه, وبينما كان زعيم القاعدة يعاني من مرضه, كان تنظيم القاعدة قد تحول إلي اسم شهرة في حرب نفسية, أذيعت فيها الأشرطة المسجلة علي الفضائيات بأكثر مما جرت فيها عمليات جهادية أو انتحارية أو إرهابية, فكل له الحق أن يسمي أعماله كيفما شاء!! وفي سنة2004 أيضا بدأ بحث بن لادن في باكستان عن مأوي له, وكان الكثير من ذلك بمعرفة ومساعدة عناصر من المخابرات الباكستانية(I.S.I), راحوا معه يبحثون عن مقر مأمون بعيد, يمكن علاجه فيه, وعلي أي حال فقد أمكن العثور علي قطعة أرض في محيط منطقة آبوت آباد, قرب الكلية الحربية الوطنية العليا للجيش الباكستاني, وفي متناول رعاية أحد مستشفياتها, لكن المطاردات الأمريكية فرضت علي الباكستانيين قدرا من الحذر في التعامل مع بن لادن, وإن بقي بعض كبار ضباط المخابرات ملتزمين بالواجب!! تجاه سلامته, وعلي أي حال, فإن الطبيب العسكري الباكستاني الذي كان يعالج بن لادن طلب إعفاءه, وفي ذلك الوقت أوائل2005 راحت الزوجة الثالثة لـ بن لادن, واسمها السيدة نجوي تبحث عن طبيب مسلم, مستعد للإقتناع بالعقيدة, لكي يقيم مع أسامة( بن لادن), ويشرف علي عملية علاجه, واتصلت سرا بالفعل بأحد الأطباء في لبنان, وبواحد في الأردن, وثالث في سوريا, لكنها لم توفق في مهمتها, وكانت حالة زوجها تسوء, وإن بقي متماسكا!! ومع سنة2007, وصلت حالة بن لادن عند حد الخطر, واقتضي العلاج أن يجري له غسيل الكلية مرتين في الأسبوع تحت درجة ما من الرعاية الطبية, حتي وإن كانت بدائية, وبواسطة جهاز منقول لهذا الغرض, جري شراؤه من كاراتشي, ووضع في غرفة مجاورة لغرفة نومه, خصوصا وأن أعراض غسيل الكلي كانت ترهقه, بأكثر مما كانت ترهق غيره من المرضي, لأن حياة الجبال استهلكت عافيته, وكانت أبرز الأعراض حالة من الإرهاق والدوار تعتريه طوال يوم غسيل كليته, يلتزم بها فراشه مغمضا عينيه وصامتا
4 أسباب دفعت أمريكا لقتل بن لادن قبل أن يموت
ويقول الاستاذ هيكل أنه منذ يونيو سنة2010 استطاعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بوسائلها, وبتعاون مع عناصر باكستانية أن ترصد البيت الذي بني للرجل من سنة2005, في الموقع الذي اختير له وبالمواصفات المطلوبة قرب آبوت آباد, وفي صيف عام2010, تمكنت المخابرات المركزية من العثور علي دور بأكمله في بيت قريب من المنطقة, يستطيع من بعيد رصد ما يجري في بيت بن لادن, ومن وقتها أصبح كل ما يجري داخل البيت, بما فيها غسيل الكلي مرتين كل أسبوع معروفا بدقة, في مركز المراقبة الأمريكي, وفيما سمعت في الأيام القليلة الماضية فإن ما قيل عن اعترافات أعوان بن لادن, المعتقلين في جوانتانامو, دلوا علي مكانه, وعينوا رسولا له, ينقل عنه الأوامر, وينقل إليه المعلومات كان غطاء بولغ فيه مع أن أصله صحيح, وفي الأسابيع الأخيرة كانت حالة بن لادن تتدهور بسرعة, والإحساس العام أن الرجل في أيامه الأخيرة, وأنه علي الأرجح سوف يموت طبيعيا بمرضه خلال ثلاثة أشهر أو أربعة, وهنا لم يعد هناك مجال للانتظار, خصوصا وأن هناك خططا أخري أكبر من شخص بن لادن, وما آل إليه حال القاعدة, وأهم مما وصلت إليه من شتات.
كانت لدي واشنطن عند اتخاذ قرار قتل بن لادن أهداف وخطط أخري:
1- أن شعبية الرئيس أوباما تتدني, وموسم الانتخابات يقترب, والرئيس يريد مدة رئاسة ثانية, وهناك مخاوف من أن يرشح حزبه شخصا غيره للرئاسة, إذا بدت فرص أوباما ضعيفة في نوفمبر سنة2012, وكان هناك لغط كثير عن احتمال ترشيح هيلاري كلينتون للرئاسة, خصوصا وقد زادت شعبيتها في استطلاعات الرأي العام عن شعبية الرئيس, كما أن الحزب الجمهوري بدأ يفكر في مرشح جديد وقادر, وجري التفكير في الجنرال دافيد بترايوس, قائد الحرب في أفغانستان, ليكون مرشح الحزب, وهو جنرال يملك شعبية كبيرة سياسية, كما هي عسكرية.
2- كان الموقف الأمريكي يسوء, وكانت ميزانية الدفاع الأمريكي هي المجال الأكبر لأي تخفيضات ضرورية في الإنفاق, الذي شكل تضخمه عبئا كبيرا علي الاقتصاد الأمريكي, وأبرز بند في التضخم هو تكاليف الحرب في أفغانستان, أكثر من تريليون دولار وأصبح اختصار تكاليفها مطلوبا لإمكان ضبط وربط اقتصادي, أصبحت ضرورية وعاجلة, ولكن خلق مناسبة ملائمة لانسحاب كامل أو جزئي مؤثر من أفغانستان معضلة تتطلب حلا ذكيا, تمهيدا لانسحاب في الصيف, يجعل تخفيض اعتمادات الحرب مقبولا في الكونجرس, وكذلك لدي الرأي العام, وكانت تلك معضلة خصوصا إذا اقترن ذلك بعملية انسحاب من العراق, تختصر القوات الموجودة فيه( لحماية مصالح النفط وامتيازاته) من تسعين ألف جندي إلي ثلاثين ألفا فقط.
3- وإذا كانت هناك ضرورة انتخابية ملحة للرئيس أوباما, وشروط شعبية لابد من توافرها, واختصار في نفقات الحرب لا مناص منه إذن فإن عملية قتل بن لادن فورا قد تلبي كل هذه المطالب, ترفع شعبية الرئيس, وقد رفعتها فعلا من نسبة44% إلي56%, وتسمح بانسحاب كلي أو جزئي من أفغانستان له غطاء نسبي يكفي وزيادة.
4- وهكذا صدر القرار بقتل بارد لرجل يموت بالفعل, لكن قتله في هذه اللحظة بالذات بدا مطلوبا عاجلا, قبل أن يسبق الموت إليه, وحتي يحقق القتل أهدافه المرجوة, وهكذا جرت عملية الهجوم علي البيت الذي يعيش فيه بن لادن, تحت ظروف بائسة.
> هل لديك تفاصيل أكثر عن عملية الاغتيال ذاتها ؟!
كان الرجل ليلتها مرهقا بمرضه, وكان نائما في فراشه, ووصلت القوة المهاجمة إلي حيث يرقد بعد ثلاث عشرة دقيقة من نزول أول قوات بالهليوكوبتر, والرجل ليس منتبها, ومعه زوجته الرابعة التي تعيش معه, السيدة أمل السادة وهي يمنية, وحين هم هو في فراشه, وقد أحس أخيرا بضجة ما يجري حوله, عاجلته طلقات من نوع الدم الدم المعروف بـHollowpoint, وميزة هذه الطلقات أنها لا تسبب قوة ارتداد في السلاح الذي يطلقها, فجميعها تنفذ إلي هدفها, وتنفجر داخله, وتدمر بالكامل ما حولها, وهكذا فإن رأس الرجل تحول إلي شظايا وتناثرت خلايا مخه, مخضبة بالدم وهو يهم من فراشه, وقبل أن يدرك إدراكا كاملا حقيقة ما جري, ثم تم بعدها نقل كل ورقة وأسطوانة مدمجة ومسجلة في البيت مع المهاجمين الذين حملوا معهم بالمرة جثة بن لادن, وهذه هي القصة, وهي قصة مليئة بالعبر والدروس, وهي في كل الأحوال, ومن الأول إلي الآخر سياسات انتخابية وسياسية ومالية, لكنه يمكن بعدها للرئيس أوباما أن يعلن أن الحرب علي الإرهاب حققت انتصارها, والحقيقة أن الإرهاب كان قد عجز عن تحقيق أي هدف له قيمة, ومنذ زمن طويل, لأن الإرهاب فعل عقيم مهما كانت عملياته مثيرة!!
الإثنين يوليو 27, 2020 10:53 am من طرف الدكتور شديد
» شعيد وابن شهيد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:18 am من طرف الدكتور شديد
» رباعيات في الخاطر
الإثنين يوليو 27, 2020 10:16 am من طرف الدكتور شديد
» احوالك يا بلد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:15 am من طرف الدكتور شديد
» الله ما عارف
الإثنين يوليو 27, 2020 10:04 am من طرف الدكتور شديد
» امسك امسك
الإثنين يوليو 27, 2020 9:54 am من طرف الدكتور شديد
» ادينا ماشين
الإثنين يوليو 27, 2020 9:50 am من طرف الدكتور شديد
» اة منك يا دنيا
الإثنين يوليو 27, 2020 9:48 am من طرف الدكتور شديد
» ماتلومنيش يا صاحبي
الإثنين يوليو 27, 2020 9:38 am من طرف الدكتور شديد