التكفير وأمل الوحدة بين المسلمين
بقلم محمد الدمرداش العقالى ١٨/ ٦/ ٢٠١١
بسم الله الرحمن الرحيم
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) «النحل: ١٢٥».
جاءت رسالة الإسلام إلى الناس جميعاً لتخرجهم من الظلمات إلى النور، ورسم الله- عز وجل- الطريق لذلك بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
وقد شهد تاريخنا الإسلامى الطويل الكثير من المعارك الطاحنة، التى ظن أصحابها أنهم قد ملكوا ناصية الحقيقة وأنهم وحدهم على الجادة وهم الفرقة الناجية، وخلاهم من المسلمين حطب جهنم واهمين أنهم بذلك ينصرون الإسلام، مع أنهم يطعنونه طعنة نجلاء.
والمطالع لهذه الصراعات وما واكبته من حملات التكفير والتكفير المضاد بين أصحاب المذاهب الفقهية والمدارس الكلامية يجد أنها لم تقف عند الاحتراب بين السنة والشيعة، بل شهدت ميادين أخرى اصطرع فيها المسلمون وتقاتل فيها من يتلون صباح مساء (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وألفيت الصادح منهم يرفع عقيرته بقول (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْت). وإذا نهاهم أصحاب العقول والحجى عن الإفساد نجدهم يصعرون وجوههم ويشيحون بها عن أصحاب العلم والفهم بدعوى أنهم مصلحون فى الأرض، وحقيقة حالهم أنهم ممن حق عليهم قول رب العزة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
فاتسع ميدان التكفير والحرب، بدءاً من صراع الجبرية والقدرية، وبين المرجئة ومخالفيهم، وبين الأشاعرة والمعتزلة، كما حفل هذا الميدان بمعارك شتى، فهذا شيعى يحارب إباضياً وآخر شافعى يغرى بحنفى، والأخير يقيس الشافعى على الذمى، بل الأدهى والأمر أن يسقط فى شرك التكفير بعض ممن انتسب لأهل العلم، فنجد الشيخ ابن حاتم الحنبلى يقطع بكفر جميع المسلمين عدا الأحناف بقوله: «من لم يكن حنفياً فليس بمسلم»، وفق ما أورده الحافظ فى تذكرته، وآخر وهو قاضى دمشق الحنفى محمد بن موسى البلاساغونى يقول: «لو كان الأمر لى لأخذت الجزية من الشافعية»، وقريب من ذلك قول المظفر الشافعى: «لو كان لى من الأمر شىء لأخذت على الحنابلة الجزية»، ومثل هذا الكثير والكثير.
وقد خيمت على بلاد المسلمين لحقب طويلة ثقافة التكفير والإقصاء، وسادت فيها كقطع الليل المظلمة الفتن البغيضة التى أنهكت جسد الإسلام وغاب عمن سعروا نيرانها أن الحبيب المصطفى جاء برسالة الإسلام التى قوامها وعمادها أنها رحمة للعالمين، فمن يا ترى سيصدقنا حين نقول إننا نحمل رسالة حب ورحمة للعالمين، وهذا فعل أيدينا الملطخة بدماء من يدينون بديننا- وهو الأمر الذى أدى لتأخر وتباطؤ انتشار الإسلام، قياساً على ما كانت عليه الحال فى قرونه الثلاثة الأولى.
وحقيقة، استفاق العقل المسلم فى ساعة رشد فى منتصف القرن الميلادى الماضى وهب عدد من علماء المسلمين لإبراز حقيقة أن الخلاف المذهبى أو الاختلاف الفقهى لا يعنى أبداً التكفير أو التفسيق.
إلا أن هذا الأمر لم يدُم طويلاً فى ظل تسلط عدوين على الأمة الإسلامية، أولهما حكام الجور والسوء الذين تسلطوا على رقاب أمتنا لعقود طويلة وشغلوا الأمة بخلافات جانبية، استخدموا فى تأجيجها نفراً من الكتاب ووعاظ السلاطين، ليروجوا لهم أمجاداً زائفة عن دفاعهم عن هذا المذهب أو ذلك الرأى وليلبسوا عليهم ألقاباً كحامى البوابة الشرقية وبطل القادسية وسيف العرب وغيرها، وجنوا على الأمة لتحقيق أحلامهم الرخيصة بتمزيق وحدتها وتفريق صفوفها. وكان ذلك كله بعين السعادة والرضا من العدو الثانى والشيطان الأكبر وهو الكيان الصهيونى ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أجادوا فى تحريك زعماء الزيف العرب وحكامهم كالعرائس، بتوجيههم عن بعد للانشغال بتوافه الأمور وليمزقوا وشائج القرب وصلات الدم.
وتعود الأمور بفعل العدوين اللدودين إلى سابق العهد من التشرذم والتكفير، فبعد أن كنا نتحدث فى منتصف القرن الميلادى الماضى عن حلم الوحدة الإسلامية انتقلنا إلى أمل تحقيق التضامن الإسلامى، ثم صار منتهى أملنا تحقيق التفاهم الإسلامى، وصولاً للمطالبة بالتعاذر بين المسلمين، ومؤخراً للأمل فى تحقيق التعايش بين أبناء هذه الأمة الثكلى.
واليوم وعالمنا العربى وهو قلب العالم الإسلامى ينتفض على معذبيه ويثور على جلاديه ويقض عروشاً، ظن أصحابها أنهم ملكوا الأرض ومن عليها، فأولى بهم وهم يكنسون هذه الأنظمة إلى مزبلة التاريخ أن يكنسوا معها الأفكار التى زرعتها فى عقول المسلمين ذراعا إبليس: حكامنا الظالمون والكيان الصهيونى البغيض، وهى الأفكار التى أفضت إلى سيل فتاوى التكفير والتكفير المضاد، وأن يقيموا بينهم كتاب الله عز وجل الذى ينادى بهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)، وأن تستفيق عقول شعوبنا العربية، وأن يجتهد أصحاب العقول فى هذه الفترة الحرجة من تاريخنا لمواجهة سلاح التكفير الذى أصبح- ولله الأمر- منهجاً تلجأ إليه بعض الحركات الدينية لإشهاره فى وجه بعض التيارات السياسية التى تنادى بمدنية الدولة وتمام الفصل بينها وبين الدين، فى حين أن حقيقة الخلاف حين تنظر إليها بعين الإنصاف لا تعدو أن تكون خلافاً فى اجتهاد أو تعارضاً فى حكم فرع من الفروع، لا يورث إيماناً أو كفراً ولا يخرج المخالف فيه من ربقة الإسلام.
* المستشار بمجلس الدولة، ورئيس المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية
بقلم محمد الدمرداش العقالى ١٨/ ٦/ ٢٠١١
بسم الله الرحمن الرحيم
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) «النحل: ١٢٥».
جاءت رسالة الإسلام إلى الناس جميعاً لتخرجهم من الظلمات إلى النور، ورسم الله- عز وجل- الطريق لذلك بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
وقد شهد تاريخنا الإسلامى الطويل الكثير من المعارك الطاحنة، التى ظن أصحابها أنهم قد ملكوا ناصية الحقيقة وأنهم وحدهم على الجادة وهم الفرقة الناجية، وخلاهم من المسلمين حطب جهنم واهمين أنهم بذلك ينصرون الإسلام، مع أنهم يطعنونه طعنة نجلاء.
والمطالع لهذه الصراعات وما واكبته من حملات التكفير والتكفير المضاد بين أصحاب المذاهب الفقهية والمدارس الكلامية يجد أنها لم تقف عند الاحتراب بين السنة والشيعة، بل شهدت ميادين أخرى اصطرع فيها المسلمون وتقاتل فيها من يتلون صباح مساء (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وألفيت الصادح منهم يرفع عقيرته بقول (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْت). وإذا نهاهم أصحاب العقول والحجى عن الإفساد نجدهم يصعرون وجوههم ويشيحون بها عن أصحاب العلم والفهم بدعوى أنهم مصلحون فى الأرض، وحقيقة حالهم أنهم ممن حق عليهم قول رب العزة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
فاتسع ميدان التكفير والحرب، بدءاً من صراع الجبرية والقدرية، وبين المرجئة ومخالفيهم، وبين الأشاعرة والمعتزلة، كما حفل هذا الميدان بمعارك شتى، فهذا شيعى يحارب إباضياً وآخر شافعى يغرى بحنفى، والأخير يقيس الشافعى على الذمى، بل الأدهى والأمر أن يسقط فى شرك التكفير بعض ممن انتسب لأهل العلم، فنجد الشيخ ابن حاتم الحنبلى يقطع بكفر جميع المسلمين عدا الأحناف بقوله: «من لم يكن حنفياً فليس بمسلم»، وفق ما أورده الحافظ فى تذكرته، وآخر وهو قاضى دمشق الحنفى محمد بن موسى البلاساغونى يقول: «لو كان الأمر لى لأخذت الجزية من الشافعية»، وقريب من ذلك قول المظفر الشافعى: «لو كان لى من الأمر شىء لأخذت على الحنابلة الجزية»، ومثل هذا الكثير والكثير.
وقد خيمت على بلاد المسلمين لحقب طويلة ثقافة التكفير والإقصاء، وسادت فيها كقطع الليل المظلمة الفتن البغيضة التى أنهكت جسد الإسلام وغاب عمن سعروا نيرانها أن الحبيب المصطفى جاء برسالة الإسلام التى قوامها وعمادها أنها رحمة للعالمين، فمن يا ترى سيصدقنا حين نقول إننا نحمل رسالة حب ورحمة للعالمين، وهذا فعل أيدينا الملطخة بدماء من يدينون بديننا- وهو الأمر الذى أدى لتأخر وتباطؤ انتشار الإسلام، قياساً على ما كانت عليه الحال فى قرونه الثلاثة الأولى.
وحقيقة، استفاق العقل المسلم فى ساعة رشد فى منتصف القرن الميلادى الماضى وهب عدد من علماء المسلمين لإبراز حقيقة أن الخلاف المذهبى أو الاختلاف الفقهى لا يعنى أبداً التكفير أو التفسيق.
إلا أن هذا الأمر لم يدُم طويلاً فى ظل تسلط عدوين على الأمة الإسلامية، أولهما حكام الجور والسوء الذين تسلطوا على رقاب أمتنا لعقود طويلة وشغلوا الأمة بخلافات جانبية، استخدموا فى تأجيجها نفراً من الكتاب ووعاظ السلاطين، ليروجوا لهم أمجاداً زائفة عن دفاعهم عن هذا المذهب أو ذلك الرأى وليلبسوا عليهم ألقاباً كحامى البوابة الشرقية وبطل القادسية وسيف العرب وغيرها، وجنوا على الأمة لتحقيق أحلامهم الرخيصة بتمزيق وحدتها وتفريق صفوفها. وكان ذلك كله بعين السعادة والرضا من العدو الثانى والشيطان الأكبر وهو الكيان الصهيونى ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أجادوا فى تحريك زعماء الزيف العرب وحكامهم كالعرائس، بتوجيههم عن بعد للانشغال بتوافه الأمور وليمزقوا وشائج القرب وصلات الدم.
وتعود الأمور بفعل العدوين اللدودين إلى سابق العهد من التشرذم والتكفير، فبعد أن كنا نتحدث فى منتصف القرن الميلادى الماضى عن حلم الوحدة الإسلامية انتقلنا إلى أمل تحقيق التضامن الإسلامى، ثم صار منتهى أملنا تحقيق التفاهم الإسلامى، وصولاً للمطالبة بالتعاذر بين المسلمين، ومؤخراً للأمل فى تحقيق التعايش بين أبناء هذه الأمة الثكلى.
واليوم وعالمنا العربى وهو قلب العالم الإسلامى ينتفض على معذبيه ويثور على جلاديه ويقض عروشاً، ظن أصحابها أنهم ملكوا الأرض ومن عليها، فأولى بهم وهم يكنسون هذه الأنظمة إلى مزبلة التاريخ أن يكنسوا معها الأفكار التى زرعتها فى عقول المسلمين ذراعا إبليس: حكامنا الظالمون والكيان الصهيونى البغيض، وهى الأفكار التى أفضت إلى سيل فتاوى التكفير والتكفير المضاد، وأن يقيموا بينهم كتاب الله عز وجل الذى ينادى بهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)، وأن تستفيق عقول شعوبنا العربية، وأن يجتهد أصحاب العقول فى هذه الفترة الحرجة من تاريخنا لمواجهة سلاح التكفير الذى أصبح- ولله الأمر- منهجاً تلجأ إليه بعض الحركات الدينية لإشهاره فى وجه بعض التيارات السياسية التى تنادى بمدنية الدولة وتمام الفصل بينها وبين الدين، فى حين أن حقيقة الخلاف حين تنظر إليها بعين الإنصاف لا تعدو أن تكون خلافاً فى اجتهاد أو تعارضاً فى حكم فرع من الفروع، لا يورث إيماناً أو كفراً ولا يخرج المخالف فيه من ربقة الإسلام.
* المستشار بمجلس الدولة، ورئيس المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية
بقلم محمد الدمرداش العقالى ١٨/ ٦/ ٢٠١١
بسم الله الرحمن الرحيم
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) «النحل: ١٢٥».
جاءت رسالة الإسلام إلى الناس جميعاً لتخرجهم من الظلمات إلى النور، ورسم الله- عز وجل- الطريق لذلك بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
وقد شهد تاريخنا الإسلامى الطويل الكثير من المعارك الطاحنة، التى ظن أصحابها أنهم قد ملكوا ناصية الحقيقة وأنهم وحدهم على الجادة وهم الفرقة الناجية، وخلاهم من المسلمين حطب جهنم واهمين أنهم بذلك ينصرون الإسلام، مع أنهم يطعنونه طعنة نجلاء.
والمطالع لهذه الصراعات وما واكبته من حملات التكفير والتكفير المضاد بين أصحاب المذاهب الفقهية والمدارس الكلامية يجد أنها لم تقف عند الاحتراب بين السنة والشيعة، بل شهدت ميادين أخرى اصطرع فيها المسلمون وتقاتل فيها من يتلون صباح مساء (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وألفيت الصادح منهم يرفع عقيرته بقول (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْت). وإذا نهاهم أصحاب العقول والحجى عن الإفساد نجدهم يصعرون وجوههم ويشيحون بها عن أصحاب العلم والفهم بدعوى أنهم مصلحون فى الأرض، وحقيقة حالهم أنهم ممن حق عليهم قول رب العزة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
فاتسع ميدان التكفير والحرب، بدءاً من صراع الجبرية والقدرية، وبين المرجئة ومخالفيهم، وبين الأشاعرة والمعتزلة، كما حفل هذا الميدان بمعارك شتى، فهذا شيعى يحارب إباضياً وآخر شافعى يغرى بحنفى، والأخير يقيس الشافعى على الذمى، بل الأدهى والأمر أن يسقط فى شرك التكفير بعض ممن انتسب لأهل العلم، فنجد الشيخ ابن حاتم الحنبلى يقطع بكفر جميع المسلمين عدا الأحناف بقوله: «من لم يكن حنفياً فليس بمسلم»، وفق ما أورده الحافظ فى تذكرته، وآخر وهو قاضى دمشق الحنفى محمد بن موسى البلاساغونى يقول: «لو كان الأمر لى لأخذت الجزية من الشافعية»، وقريب من ذلك قول المظفر الشافعى: «لو كان لى من الأمر شىء لأخذت على الحنابلة الجزية»، ومثل هذا الكثير والكثير.
وقد خيمت على بلاد المسلمين لحقب طويلة ثقافة التكفير والإقصاء، وسادت فيها كقطع الليل المظلمة الفتن البغيضة التى أنهكت جسد الإسلام وغاب عمن سعروا نيرانها أن الحبيب المصطفى جاء برسالة الإسلام التى قوامها وعمادها أنها رحمة للعالمين، فمن يا ترى سيصدقنا حين نقول إننا نحمل رسالة حب ورحمة للعالمين، وهذا فعل أيدينا الملطخة بدماء من يدينون بديننا- وهو الأمر الذى أدى لتأخر وتباطؤ انتشار الإسلام، قياساً على ما كانت عليه الحال فى قرونه الثلاثة الأولى.
وحقيقة، استفاق العقل المسلم فى ساعة رشد فى منتصف القرن الميلادى الماضى وهب عدد من علماء المسلمين لإبراز حقيقة أن الخلاف المذهبى أو الاختلاف الفقهى لا يعنى أبداً التكفير أو التفسيق.
إلا أن هذا الأمر لم يدُم طويلاً فى ظل تسلط عدوين على الأمة الإسلامية، أولهما حكام الجور والسوء الذين تسلطوا على رقاب أمتنا لعقود طويلة وشغلوا الأمة بخلافات جانبية، استخدموا فى تأجيجها نفراً من الكتاب ووعاظ السلاطين، ليروجوا لهم أمجاداً زائفة عن دفاعهم عن هذا المذهب أو ذلك الرأى وليلبسوا عليهم ألقاباً كحامى البوابة الشرقية وبطل القادسية وسيف العرب وغيرها، وجنوا على الأمة لتحقيق أحلامهم الرخيصة بتمزيق وحدتها وتفريق صفوفها. وكان ذلك كله بعين السعادة والرضا من العدو الثانى والشيطان الأكبر وهو الكيان الصهيونى ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أجادوا فى تحريك زعماء الزيف العرب وحكامهم كالعرائس، بتوجيههم عن بعد للانشغال بتوافه الأمور وليمزقوا وشائج القرب وصلات الدم.
وتعود الأمور بفعل العدوين اللدودين إلى سابق العهد من التشرذم والتكفير، فبعد أن كنا نتحدث فى منتصف القرن الميلادى الماضى عن حلم الوحدة الإسلامية انتقلنا إلى أمل تحقيق التضامن الإسلامى، ثم صار منتهى أملنا تحقيق التفاهم الإسلامى، وصولاً للمطالبة بالتعاذر بين المسلمين، ومؤخراً للأمل فى تحقيق التعايش بين أبناء هذه الأمة الثكلى.
واليوم وعالمنا العربى وهو قلب العالم الإسلامى ينتفض على معذبيه ويثور على جلاديه ويقض عروشاً، ظن أصحابها أنهم ملكوا الأرض ومن عليها، فأولى بهم وهم يكنسون هذه الأنظمة إلى مزبلة التاريخ أن يكنسوا معها الأفكار التى زرعتها فى عقول المسلمين ذراعا إبليس: حكامنا الظالمون والكيان الصهيونى البغيض، وهى الأفكار التى أفضت إلى سيل فتاوى التكفير والتكفير المضاد، وأن يقيموا بينهم كتاب الله عز وجل الذى ينادى بهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)، وأن تستفيق عقول شعوبنا العربية، وأن يجتهد أصحاب العقول فى هذه الفترة الحرجة من تاريخنا لمواجهة سلاح التكفير الذى أصبح- ولله الأمر- منهجاً تلجأ إليه بعض الحركات الدينية لإشهاره فى وجه بعض التيارات السياسية التى تنادى بمدنية الدولة وتمام الفصل بينها وبين الدين، فى حين أن حقيقة الخلاف حين تنظر إليها بعين الإنصاف لا تعدو أن تكون خلافاً فى اجتهاد أو تعارضاً فى حكم فرع من الفروع، لا يورث إيماناً أو كفراً ولا يخرج المخالف فيه من ربقة الإسلام.
* المستشار بمجلس الدولة، ورئيس المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية
بقلم محمد الدمرداش العقالى ١٨/ ٦/ ٢٠١١
بسم الله الرحمن الرحيم
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) «النحل: ١٢٥».
جاءت رسالة الإسلام إلى الناس جميعاً لتخرجهم من الظلمات إلى النور، ورسم الله- عز وجل- الطريق لذلك بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
وقد شهد تاريخنا الإسلامى الطويل الكثير من المعارك الطاحنة، التى ظن أصحابها أنهم قد ملكوا ناصية الحقيقة وأنهم وحدهم على الجادة وهم الفرقة الناجية، وخلاهم من المسلمين حطب جهنم واهمين أنهم بذلك ينصرون الإسلام، مع أنهم يطعنونه طعنة نجلاء.
والمطالع لهذه الصراعات وما واكبته من حملات التكفير والتكفير المضاد بين أصحاب المذاهب الفقهية والمدارس الكلامية يجد أنها لم تقف عند الاحتراب بين السنة والشيعة، بل شهدت ميادين أخرى اصطرع فيها المسلمون وتقاتل فيها من يتلون صباح مساء (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) وألفيت الصادح منهم يرفع عقيرته بقول (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْت). وإذا نهاهم أصحاب العقول والحجى عن الإفساد نجدهم يصعرون وجوههم ويشيحون بها عن أصحاب العلم والفهم بدعوى أنهم مصلحون فى الأرض، وحقيقة حالهم أنهم ممن حق عليهم قول رب العزة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
فاتسع ميدان التكفير والحرب، بدءاً من صراع الجبرية والقدرية، وبين المرجئة ومخالفيهم، وبين الأشاعرة والمعتزلة، كما حفل هذا الميدان بمعارك شتى، فهذا شيعى يحارب إباضياً وآخر شافعى يغرى بحنفى، والأخير يقيس الشافعى على الذمى، بل الأدهى والأمر أن يسقط فى شرك التكفير بعض ممن انتسب لأهل العلم، فنجد الشيخ ابن حاتم الحنبلى يقطع بكفر جميع المسلمين عدا الأحناف بقوله: «من لم يكن حنفياً فليس بمسلم»، وفق ما أورده الحافظ فى تذكرته، وآخر وهو قاضى دمشق الحنفى محمد بن موسى البلاساغونى يقول: «لو كان الأمر لى لأخذت الجزية من الشافعية»، وقريب من ذلك قول المظفر الشافعى: «لو كان لى من الأمر شىء لأخذت على الحنابلة الجزية»، ومثل هذا الكثير والكثير.
وقد خيمت على بلاد المسلمين لحقب طويلة ثقافة التكفير والإقصاء، وسادت فيها كقطع الليل المظلمة الفتن البغيضة التى أنهكت جسد الإسلام وغاب عمن سعروا نيرانها أن الحبيب المصطفى جاء برسالة الإسلام التى قوامها وعمادها أنها رحمة للعالمين، فمن يا ترى سيصدقنا حين نقول إننا نحمل رسالة حب ورحمة للعالمين، وهذا فعل أيدينا الملطخة بدماء من يدينون بديننا- وهو الأمر الذى أدى لتأخر وتباطؤ انتشار الإسلام، قياساً على ما كانت عليه الحال فى قرونه الثلاثة الأولى.
وحقيقة، استفاق العقل المسلم فى ساعة رشد فى منتصف القرن الميلادى الماضى وهب عدد من علماء المسلمين لإبراز حقيقة أن الخلاف المذهبى أو الاختلاف الفقهى لا يعنى أبداً التكفير أو التفسيق.
إلا أن هذا الأمر لم يدُم طويلاً فى ظل تسلط عدوين على الأمة الإسلامية، أولهما حكام الجور والسوء الذين تسلطوا على رقاب أمتنا لعقود طويلة وشغلوا الأمة بخلافات جانبية، استخدموا فى تأجيجها نفراً من الكتاب ووعاظ السلاطين، ليروجوا لهم أمجاداً زائفة عن دفاعهم عن هذا المذهب أو ذلك الرأى وليلبسوا عليهم ألقاباً كحامى البوابة الشرقية وبطل القادسية وسيف العرب وغيرها، وجنوا على الأمة لتحقيق أحلامهم الرخيصة بتمزيق وحدتها وتفريق صفوفها. وكان ذلك كله بعين السعادة والرضا من العدو الثانى والشيطان الأكبر وهو الكيان الصهيونى ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أجادوا فى تحريك زعماء الزيف العرب وحكامهم كالعرائس، بتوجيههم عن بعد للانشغال بتوافه الأمور وليمزقوا وشائج القرب وصلات الدم.
وتعود الأمور بفعل العدوين اللدودين إلى سابق العهد من التشرذم والتكفير، فبعد أن كنا نتحدث فى منتصف القرن الميلادى الماضى عن حلم الوحدة الإسلامية انتقلنا إلى أمل تحقيق التضامن الإسلامى، ثم صار منتهى أملنا تحقيق التفاهم الإسلامى، وصولاً للمطالبة بالتعاذر بين المسلمين، ومؤخراً للأمل فى تحقيق التعايش بين أبناء هذه الأمة الثكلى.
واليوم وعالمنا العربى وهو قلب العالم الإسلامى ينتفض على معذبيه ويثور على جلاديه ويقض عروشاً، ظن أصحابها أنهم ملكوا الأرض ومن عليها، فأولى بهم وهم يكنسون هذه الأنظمة إلى مزبلة التاريخ أن يكنسوا معها الأفكار التى زرعتها فى عقول المسلمين ذراعا إبليس: حكامنا الظالمون والكيان الصهيونى البغيض، وهى الأفكار التى أفضت إلى سيل فتاوى التكفير والتكفير المضاد، وأن يقيموا بينهم كتاب الله عز وجل الذى ينادى بهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)، وأن تستفيق عقول شعوبنا العربية، وأن يجتهد أصحاب العقول فى هذه الفترة الحرجة من تاريخنا لمواجهة سلاح التكفير الذى أصبح- ولله الأمر- منهجاً تلجأ إليه بعض الحركات الدينية لإشهاره فى وجه بعض التيارات السياسية التى تنادى بمدنية الدولة وتمام الفصل بينها وبين الدين، فى حين أن حقيقة الخلاف حين تنظر إليها بعين الإنصاف لا تعدو أن تكون خلافاً فى اجتهاد أو تعارضاً فى حكم فرع من الفروع، لا يورث إيماناً أو كفراً ولا يخرج المخالف فيه من ربقة الإسلام.
* المستشار بمجلس الدولة، ورئيس المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية
الإثنين يوليو 27, 2020 10:53 am من طرف الدكتور شديد
» شعيد وابن شهيد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:18 am من طرف الدكتور شديد
» رباعيات في الخاطر
الإثنين يوليو 27, 2020 10:16 am من طرف الدكتور شديد
» احوالك يا بلد
الإثنين يوليو 27, 2020 10:15 am من طرف الدكتور شديد
» الله ما عارف
الإثنين يوليو 27, 2020 10:04 am من طرف الدكتور شديد
» امسك امسك
الإثنين يوليو 27, 2020 9:54 am من طرف الدكتور شديد
» ادينا ماشين
الإثنين يوليو 27, 2020 9:50 am من طرف الدكتور شديد
» اة منك يا دنيا
الإثنين يوليو 27, 2020 9:48 am من طرف الدكتور شديد
» ماتلومنيش يا صاحبي
الإثنين يوليو 27, 2020 9:38 am من طرف الدكتور شديد